بينما كنت أتابع إحدى حلقات برنامج (أسرة ناجحة) في قناة المجد وهو من تقديم الإعلامي الرائع د فهد السنيدي هجم علي سؤال عريض مفاده: ما حجم الأثر الذي تتركه الأسر على أفرادها حاضرا ومستقبلا؟ وصادف أنني كنت أقرأ للمفكر الشهير (جون ماكسويل) فذكر أن ما شغلني قد شغل بال أحد الباحثين الأمريكيين وهو (ريتشارد دوجيل) الذي طفق يبحث عن إجابة لهذا السؤال ومصادفة كان قد اختير عضوا في إحدى لجان جمعية السجناء في ولايته وبينما هو يبحث في سجلات نزلاء أحد السجون تفاجأ بوجود عشرة أشخاص من عائلة واحدة في سجن واحد وقد تنوعت جرائمهم ما بين قتل وسرق واغتصاب وسطو وغيره من عظائم الجرائم, لفت الأمر نظره وعندما تبصر في سجل أفراد تلك العائلة وجد سجلا إجراميا عريقا لهم منذ أكثر من مائة عام وكان أقل ما يوصف به جدهم الأول بأنه سافل الطبع سيئ الخلق وقد بلغ تعداد نسله قرابة الألف فرد وكان السواد الأعظم منهم ذوي سيرة مخزية لا تشرف, فقد كان منهم 180 متشردا وفقيرا و140 مجرما محترفا و60 لصا من طراز عال و50 امرأة احترفت البغاء!
وقد اعتاد أصحاب الشركات والمصانع في حينها على الاحتفاظ بقائمة بأسماء أفراد العائلة ليتأكد ما إذا كان المتقدم للعمل ينتمي لها أو لا!
ثم درس الباحث تاريخ عائلة تعيش متزامنة مع تلك العائلة وهي عائلة رئيس جامعة برنستون (جونثان ادواردز) وهو رجل سري الخلق عظيم الهمة بلغ تعدد عقبه أكثر من 1400 فرد وجد بينهم 13 مدير جامعة و65 أستاذا جامعيا و100 محام و30 قاضيا و 61 طبيبا بشريا وقرابة الـ 100 فرد يشغلون مناصب رفيعة في الدولة ما بين أعضاء كونجرس ووزراء!
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل هناك جينات إجرام وجينات صلاح في البشر؟
والإجابة بالطبع هي لا كما أكد العلماء, والسر في توالي الصفات بين أجيال العائلة يكمن في أن للأسرة تأثيرا بالغا على مسيرة أفرادها فتباشير صبح صلاح العائلة يبدأ أولا من الأسرة النووية (الأب والأم), ففي الأسرة الأولى سادت لغة الإجرام والعنف وساقط الأخلاق فالصغير يرى كل من حوله مجرمين بل وربما يتفاخرون بقبيح الأخلاق ويتواصون به (والذي خبث لا يخرج إلا نكدا)! وفي الأسرة الثانية الفرد فيها لا يكاد يلتفت إلا ويجد عمالقة عظماء رفيعي الهمة ومن الطبيعي أن تصيبه عدوى منهم، ونحن هنا لا نطالب الإنسان بما لا يستطيع فمن المتعذر أن يحسن سلالة عائلته أو أن يغير ماضيا أسود قد ركب أسلافه العار وجروا فيه مخازي لا تغسل ولكنه يملك أن يحسن من سلالته وأن يكون شخصا انتقاليا وهو ذلك الشخص الذي يوقف انتقال سير الصفات السيئة التافهة من الجيل الذي سبقه للجيل الذي يليه وهو لقب أطلقه صاحب كتاب العادة الثامنة على أب فاز بجائزة الأبوة الوطنية والذي رد عندما سُئل عن سبب تميزه بقوله: (أنا لم أعرف قط والدي ووالدي لم يعرف والده لكن ابني يعرف والده) وهو بهذا السلوك ضمن تحولا إيجابيا في مسار الأسرة في المستقبل وهذا لا شك من أعظم وأهم النجاحات، معشر الآباء تذكروا أنكم لا تربون أبناءكم فقط إنما تربون الأجيال القادمة فأحسنوا التربية وليكن شعاركم ما قاله عمرو بن عتبة موصيا مؤدب ولده: (ليكن أول إصلاحك بنيَّ إصلاحك نفسك؛ فإن عيوبهم معقودة بعيبك، فالحسن عندهم ما فعلت والقبيح ما تركت) ولتصب ذريتكم بركة (وكان أبوهما صالحا).
خير الكلام
{َالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ}.
****
khalids225@hotmail.com