Al Jazirah NewsPaper Friday  23/10/2009 G Issue 13539
الجمعة 04 ذو القعدة 1430   العدد  13539
أرواح مغردة
لنتفاءل.... وميض يلوح في الأفق

 

قد كانت أحلامي تبحر بي للوصول إلى شاطئ مدينة رسمتها مخيلتي... أسوارها صُنعت من عالم المثاليات... فهي على غرار المدينة الفاضلة.. حلم الفلاسفة... إذ كل ما فيها لا يطال باليد، فهي من ضروب الخيال.. وبها من الجمال والهدوء وتناغم ساكنيها مالا عين رأت أو حتى أذناً سمعت.. ووددت أن أعيش بها... كما أخضعت مخيلتي جميع من يقطنها بأن يستنشق الكمال المطلق... فلا تحتضن مدينتي من يخطئ حتى بفكره..!! ونسيت أو تناسيت بأن واقعي يُغاير مخيلتي، إذ فيه من الأحزان كما فيه من المسرات... وبه من الأتراح كما يحويه من أفراح، ولم تبن الحياة على نهج واحد قويم... فمحاكاة الآخرين والاطلاع على خبراتهم قد جعل نتائج التجربة في صالحي وصالح من دفن في أقاصي ذاكرته بأن الحياة ما هي إلا متناقضات... تلك التجربة التي خطتها الحياة بمعادلة موزونة، إذ كما أن هناك يوماً حلوا، هناك أيضاً يوماً آخر مر، ويمر على الجميع منا دون استثناء.

ولنعلم جميعاً بأن العالم لن ينتهي عند أعتاب التجارب الفاشلة... تلك التجارب التي يتوجب علينا شكرها... إذ من غيرها لن نتعلم السير في الطريق الصائب، بل علينا أن نُعلنها للجميع كي يقتبسوا النور منها ليهتدوا بها في ظلمات التخبطات الحياتية.

وهأنا اليوم لا أحاول أن أعيد حسابا لأمسٍ قد ولَّى من عمري... ولكن، أحاول مع كل ربيع جديد أن أجني ما زرعته من أوراق بثثتُ فيها من روحي أملا جديدا، وكنت دوماً أنظر إلى تلك الأوراق اليانعة الخضراء والتي رعيتها بحبي وعشقي الأبدي لها، وأحرص على ألا تسقط على الأرض وينتهي أملي فيها، فأقداري علمتني أن أتجاهل ما سقط منها أرضاً لأنها قد صارت منها فلا أنحني كي ألتقطها ولا أعيرها اهتمامي.

وثمة بشرى أنار الخالق تعالى بها حياتنا، فلنعها جميعاً لنشكره جل وعلا عليها. تلك البشرى التي زُفت لنا في الدنيا قبل الآخرة.. وهي أن من ابتلي في دنياه فهو حبيب للرحمن، إذ لا يتوجب علينا أن ننظر للعقبات التي اعترضت طريقنا على أنها حائلة عن وصولنا لأهدافنا، وللنظر لها جميعا من زاوية أنها الوسيلة الوحيدة التي تختزل الطريق للتقرب إلى الله تعالى والذي قد ينتقيك من بين الألوف، فأعمالك قد لا ترقيك للمنزلة التي سنها لك الخالق، لذا يجعل تلك العقبات تعترض طريقك في الدنيا. وتمثل تلك العقبات أو المصائب أقصر الطرق للفوز بالجنان فهل ستصبر أم ستبحر في نهر الجزع..؟

د. هنادي عرفة



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد