كتابات هل تناولت بحوثنا حول الثقافة السعودية دور الصحافة المحلية في تصنيفها الداخلي من تقسيم مجالاتها إلى فنون وأدب وغيره، ومن ثم انعكاسه على تصنيفها الخارجي من حيث تشكيل عناوينها الشاملة في إدراك القارئ بوصفه الفرد عضو المجتمع، والسؤال الدلالة: هل استيقظ المشهد الثقافي على أن كُتّاب المقال هم أصحاب الصورة الأهم في الذهنية الاجتماعية أم بعد، هل أسلم المثقفون إلى أن القراء يقفون يومياً على محطات كتابية لأسماء لا تحسب على القاموس الثقافي في خطابهم، وهل يتسع السؤال إلى شكل دور المثقف أمام طبيعة دور كاتب المقال؟.. وإن لم فإن هذا المبحث سيحاول الملاحظة والقياس أدوات له في محاولة الإجابة عن السؤال بأربعة محاور، وسيكون لكل محور ورقته الخاصة به، فدور الصحافة في التصنيف الداخلي والخارجي للثقافة هو محور الورقة الأولى التي سترتكز على قراءة الصحف بوجهها التصنيفي لأي عمل صحفي عموماً وللصحافة الثقافية بشكل أخص، بينما ستذهب الورقة الثانية إلى محاولات فرز واقع القراء لكل من المقال اليومي والإنتاج الثقافي باختلاف تقاسيمهما، وسيكون التطرق لنماذج من كُتّاب المقال في الورقة الثالثة، ويختم المبحث محاولاته عن دور المثقف الشكلي أمام الدور الحقيقي لكاتب المقال في ورقته الأخيرة، وبدءاً نتذكر أن الثقافة في وجودها اللغوي أو في حرفها الأول تختلف عن مفهومها التاريخي، غيرها كمعنى في ذهنية الشعوب، ومن هذا سينزل الشأن الاجتماعي- بتشكيله أحد الأبعاد الأساسية عند التعريف بالثقافة - طرفاً رئيساً للقياس في هذا المبحث، ذلك لأن العصور أبدت ما للمثقفين من دور في نهضة المجتمعات وتنوير عقولها، لكن في السؤال بقية عن ما أبدى المثقفون في مجتمعنا من دورهم، وما كان وراء تأسيس سياق لا واعي في معرفية المثقف هنا عن دور الضحية لمجتمع لا يقرأ، وماذا سيأخذ المثقفون من مراجعات أمام نسب القراءة للمقال التي لم تحص، وهل يذهبون هم إلى إحصائها في مراجعاتهم، هل تحتمل معرفية المثقف إمكان اعترافه بالأخطاء التقديرية لأدائه حتى ننتظر إمكانات اعتراف حول أخطاء وجودية لدوره، هل تشغل المثقف صورته في المجتمع، أو يدرك معها أن هنالك من يرسمها له أو يعيد تلوينها من خلال أسطر مقاله وبشكل يومي، هل تكشف ميول القراء عن ما يحتمله اللا وعي في معرفية المثقف، وهل يشكل كُتّاب المقال ردة فعل على الأسماء الثقافية وأعمالها، وماذا سيكشف لا وعيهم من أثر المثقفين وخطابهم عليهم، هل وصل كُتّاب المقال إلى الحظوة التي سعى عليها المثقفون، وكيف شكَّل المجتمع مادته التي يعمل بها وعليها الجانبان، هل يشهد اليوم صراعاً بينهما في السلطة المعرفية على القراء فقط أم أن في الوصاية على العقل الاجتماعي ما هو أبعد هدفاً، والأهم في ذلك كله كيف يتعامل الجانبان مع مجموع الدوافع اللا واعية في معرفتيهما خلال الكتابة في محاولة تحقيق الهدف الواعي لهما أي في النهضة الاجتماعية باعتبارها الوظيفة الأهم، إن في كل هذه الأسئلة ما يزيد الحاجة إلى دراسات أكثر تخصيصاً وجهوداً أقدر سعياً، لأن هذا المبحث المبسط لا يجيب استفهاماتها، بل يسردها تقديماً تحت محاولته كشف إمكان الإجابة عن الجزء الرئيس فيه من دور الصحافة في الثقافة، وإن إمكان الجواب لا يختلف عن الجواب في كونه منطقة التفكير التي ينطلق عنها فقط بل في كشفه عن ما وراء يقين الباحث في أجوبة مسلّمة لدور يمارس فاعليته في التأثير والتأثُّر دوماً وباستمرارية تسبق أي محاولة لتوثيق قراءات محددة حوله، ذلك اليقين الذي أعطى المثقف خدره عن قراءة واقع جدّ عليه وأجد معه صورته ودوره ومساحته، إن الوعي بإمكان الإجابة هو وعي أولي بحقيقة قدرة المثقف التي تُشكّل حقيقة دوره أو وهمه عنه، هذا وإن في كل إجابة ما إمكاناً يسبقها، وكل إمكان محكوم بمعرفية الذي يحاول الجواب، وبحالة المثقف الذي يرغب النهضة ويعمل على إبداعها سيكون الإمكان أشد أثراً وأهم للبحث فيه من الإجابة نفسها والتي قد تحمل الحل، لهذا كان لسرد الأسئلة محاولة وعي أولي بكشف الإمكان الذي ينطلق المبحث منه في محاولاته الإجابة، وهي إجابة لن تحمل الحل إلا بافتراض خاطئ أن يكون كاتب المقال يُشكل مشكلة للمثقف، بينما في افتراض آخر أن المثقف هو الذي قد أسلم معرفيته لسياقات المجتمع الذي لا يقرأ والدولة التي لا تدعم والسلطة التي تراقب، وهنالك الأكثر من الافتراضات التي سيجدها القارئ بنفسه، وهو الذي يدرك أن الإجابة في هذا المبحث تنطلق من معرفية باحث يبقى محكوماً بذاتيته، وأنه أيضا ليس إلا إمكان عقل واحد لا أكثر.
lamia.swm@gmail.com