المشهور عند النحويين أنّ (ربّ) تستعمل للتكثير، ومنهم من قال باستعمالها للتقليل، وكنت حين أراقب استعمال (ربّ) في النصوص القديمة والحديثة أرتاب في هذا المعنى الذي أطبق عليه كثير من النحويين، وقد تهيأ لهذا القول أن يراجع حين نجحت الباحثة القديرة عزة الشدوي في معالجتها المسألة في رسالتها (التقليل والتكثير في العربية) فانتهت إلى أن (واقع الاستعمال اللغوي لهذه الأداة لا يؤيد إفادتها إنشاء التكثير ولا التقليل((ص10). ورأت الباحثة حين نظرت في النصوص أن حصر دلالة رب في التقليل والتكثير أدى إلى التكلف والتعسف في تأويل النصوص والبعد عن الغرض المراد منها، كما أدى إلى إهمال دلالاتها الأخرى (التي يفصح عنها السياق والموقف الكلامي الذي استعملت فيه الأداة((ص21 - 22). ومضت الباحثة تشرح ما وجدته من دلالات (ربّ) فشرحت (التحقيق) و(الإبهام على السامع)، و(التنكير)، و(التعجب)، و(تكرار الحدث الماضي)، و(الاحتمالية)، و(التوقع)، و(الترجي)، و(الشك). ولكنّي عند التأمل أجد أن الدلالة على (الاحتمال) هي دلالة (ربّ) وأن كلّ تلك الدلالات الأخرى إنما هي فرعية وهبها مقصد المتكلم، وهذا أمر معروف في الاستعمال اللغوي، فحين يسأل الطالب زميله (هل معك قلم؟) فهو يريد أكثر من الجواب بنعم، كأنه يقول: أعرني قلمًا. ولعلنا نورد أمثلة من النصوص التي استشهدت بها، جاء في معنى (التحقيق): (ربما صحت الأجسام بالعلل)، فالمعنى الحرفي عندي (قد تصح الأجسام بالعلل( أي هو محتمل الحدوث، ولكن الغرض المراد هو أبعد من منطوق تلك الجملة وهذا مرتبط بالموقف الذي يستعمل له المثل أو الحكمة. وجاء في (الإبهام على السامع) قول الشاعر ملغزًا يقصد عيسى وآدم:
|
ألا ربّ مولود وليس له أب*** وذي ولد لم يلده أبوان
|
والإبهام إنما هم مفهوم من التركيب كله لا ربّ وحدها، ودلالتها هنا لا تعدو الاحتمال؛ إذ المعنى قد يوجد مولود ليس له أب وقد يوجد ولد لا أبوين له. وجاء في (التنكير): (يا خالد، ربّ خالدٍ كان أحب إلى قربًا وألذ عندي حديثًا منك)، أقول ومعناها الاحتمال، إذ المعنى قد يوجد من يسمى خالدًا هو أحب. وجاء في (التعجب) قول الشاعر:
|
ربّ كأس هرقت يا بن لؤي *** حذر الموت لم تكن مهراقة
|
والمعنى الأصلي لرب هنا الاحتمال فالمعنى إن الكأس التي هرقتها قد لا تكون هرقتها حقًّا، أما ما قد يفهم من تعجب أو غير تعجب فهو أمر سياقي عام. وجاء في (تكرار الحدث الماضي): (فإني والله ربما غنيت هذا الصوت وأنا جائع فأشبع وربما غنيته وأنا كسلان فأنشط، وربما غنيته وأنا عطشان فأروى). وأقول إن ربّ لا تدل على تكرار ماض، والماضي المفهوم وهبته طبيعة الحكاية وسيظل هذا المعنى وإن حذفت ربّ، والذي أراه أنها تدل على الاحتمال فهو يشير إلى ما كان يحتمل من سلوكه وما كان قد يقع منه أحيانًا. فيصح القول قد أغني هذا الصوت فأشبع. وجاء في (التوقع) قول الشاعر:
|
ألا يا ربّ مغموم سيحظى |
بدولتنا ومسرور يساء |
وليس التوقع لرب بل للتركيب كله، والتوقع متولد من احتمال وقوع الشيء على أية حال، فقد يحظى المغموم وقد يساء المسرور. وجاء في (الترجي) قول الشاعر:
|
أقول وقد ضاقت بأحزانها نفسي |
ألا ربّ تطليق قريب من العرس |
فالترجي مفهوم من الجملة لا ربّ نفسها؛ إذ دلالتها الاحتمال؛ إذ قد يكون التطليق قريبًا من العرس. وجاء في (الشك): ما روي عن ابن عباس عن النبي أنه (نام حتى نفخ ثم صلى وربما قال اضطجع حتى نفخ ثم قام فصلى). وواضح أن الشك هو علة استعمال ربّ وليس دلالتها؛ فدلالتها هنا الاحتمال، فابن عباس قال كذا وقد يكون قال كذا. والذي أود الخلوص إليه إن (ربّ) لا تدل على التكثير أو التقليل حسب النحاة ولا تدل على تلك الدلالات التي شرحتها عزة باستثناء الدلالة على الاحتمال فهي الدلالة حقًّا.
|
|