التاريخ: هو تجسيد لمسيرة حافلة بأحداث ومواقف وعطاءات رعيل من البشر.
والتأريخ: هو رصد مدروس لهذه المسيرة بمعطياتها ومنجزاتها.
والمؤرخون هم الذين يحفظون التاريخ من الضياع من خلال بحثهم ودأبهم وفكرهم.
وكما أنجبت بلادنا المعطاءة نماذج من الشخصيات الريادية التاريخية في مختلف المجالات الحياتية.
فان الدكتور أمين ساعاتي يعد نموذجاً فريداً ورائداً كبيراً في عدة مجالات.. لعل في مقدمتها التأريخ الرياضي.
فلقد حفظ لنا - بفضل الله سبحانه وتعالى - تاريخنا الرياضي من الضياع والاندثار عندما ألف سفره القيم (تاريخ الحركة الرياضية في المملكة العربية السعودية) الذي صدر في عام 1389هـ. وهو أول كتاب عن تاريخنا الرياضي.. بل هو أول كتاب من نوعه على مستوى الرياضة في العالم العربي.
ثم ألف موسوعة تاريخ الحركة الرياضية في المملكة العربية السعودية التي صدرت في عام 1419هـ في ستة مجلدات.. كل مجلد منها يعد كتاباً تاريخياً متكاملاً. ثم أعاد طبع الموسوعة في ثمانية مجلدات على اسطوانة مدمجة.
والدكتور أمين هو أول من أصدر كتاباً رياضيا في المملكة، وهو كتاب (الاتحاد في التاريخ) الذي صدر في عام 1382هـ في وقت لم يكن فكر التأليف الرياضي موجوداً آنذاك.
لقد واصل الدكتور أمين ساعاتي جهوده في هذا المجال خدمة للرياضة حتى بلغ عدد مؤلفاته الرياضية (20) كتاباً.
تنطلق رؤية الدكتور أمين ساعاتي من قوله بأن الدراسة التاريخية تستهدف تسليط الأضواء على ساحات الأحداث برؤية الأبعاد الزمنية بماضيها وحاضرها ومستقبلها على السواء..
ذلك لأن الأحداث في دنيا البشر ما هي إلا (فعل) تاريخي مستمر يتشكل من الماضي والحاضر والمستقبل، ولهذا فإن ثمة حقيقة راسخة تبرز واضحة عند دراسة التاريخ.. وهي أن التاريخ إنما هو وحدة زمنية متلاحقة..
تتهاوى من خلالها الفواصل المغرضة التي تنوي فصل الماضي عن الحاضر.. أو الحاضر عن المستقبل ولذلك، فإن مجموعة الأحداث في أي فاصلة زمنية ما هي إلا وحدة عضوية للحركة التاريخية بفواصلها الرئيسية الثلاث.
وبمنهج الدكتور الساعاتي في الحياة ويقول: إن الحياة تجارب، والتجارب ماض وحاضر ومستقبل.. فلكي نتعلم كيف نكون لابد أن نعرف كيف كنا، بمعنى أن التاريخ هو عملية وجود ثم تفسير وتحليل لهذا الوجود وبدون اقرار للحلقات الثلاث لن يكون هناك اقرار بالحق والحقيقة.
ويستطرد قائلاً:
(إن اغفال الماضي.. أو البعد الزمني الأول في العملية التاريخية انما هو جهل بالأسس الحقيقية لحركات التاريخ أو هو اضطراب في عملية الاستشراف والاستقراء التاريخي.
ذلك أن الأشياء والكيانات لا تبدأ من فراغ، ولذلك فإن تفريغ تاريخنا الرياضي من ماضيه يعني بتراً صارخاً لعضو من أعضاء جسدنا الرياضي، ومصادرة لحقوقنا الرياضية.
وإذا كنا نحن جيل هذه الأيام لا نحس بمعاناة الأجيال الماضية.. فإن هذا لا يعطينا حق تصفية جهود أناس ضحوا وتفانوا حتى بنوا لنا ماضياً نعلي عليه قواعد الحاضر..
ونتلمس فيه رؤى المستقبل.. إن الانسان لا يمكن أن ينزع طفولته من عمره فهي موصولة بشبابه.. موصولة بكهولته.. فإذا كانت حياتنا الرياضية كتاباً من عدة فصول فإن الماضي هو الفصل الأول في هذا الكتاب.
** عشق الدكتور أمين التاريخ الرياضي منذ صغره وكرس جهوده ووقته وأنفق ماله في سبيل التاريخ الرياضي.. فليس لمثل هذه الكتب عائد مالي.. ولكنه إحساس عميق بالقيم التاريخية.. ولهذا يقول في مقدمة كتابه: (الكتابة في تاريخنا الرياضي ليست رحلة سهلة في أعماق النفس إنها إبحار في عمق النفس والحدث). ويقول: (ان الكتابة التاريخية الرياضية ليست نزهة في دياجير الماضي وأخاديده وإنما هي المعاناة الحقيقية لأنفة التاريخ وفنون الرياضة).
ولقد جاب الدكتور أمين أرجاء البلاد بحثاً عن الحقائق التاريخية.. فلم يترك منطقة أو مدينة إلا وزارها والتقى رواد ومؤسس الرياضة فيها؛ حيث ترك عمله وأنفق من ماله لتحقيق ذلك.
وعندما أصدر أول كتبه (الاتحاد في التاريخ) كان لاعباً في نادي الاتحاد وصحفياً رياضياً في جريدة عكاظ.
** والدكتور أمين مؤرخ متفرد بخصائص ومقومات لا تتوافر في غيره..
فلقد كان لاعباً كبيراً ضمن نجوم الفريق الأول لكرة القدم بنادي الاتحاد الذين حققوا بطولات كأس الملك في الأعوام 1378هـ و 1379هـ و 1380هـ.
وكان صحفياً رياضياً بارزاً.. تدرج في الصحافة من محرر رياضي إلى رئيس القسم الرياضي، ثم مدير تحرير فنائب لرئيس التحرير في جريدة عكاظ، ثم رئيس تحرير مجلة النادي ولا يزال عضواً في مؤسسة عكاظ الصحفية. وكان حكماً معتمداً على مستوى الدرجة الأولى في كرة القدم والكرة الطائرة وتنس الطاولة.
وعمل مديراً عاماً لنادي الثغر بحدة.. ومديراً عاماً للنادي الأهلي بجدة.. ورئيساً للجنة الثقافية بنادي الهلال بالرياض. ومن المقومات التي يتفرد بها أنه عايش مؤسسي الحركة الرياضية في بلادنا.. وأخذ منهم شخصياً ومباشرة الحركة الرياضية في بلادنا.. وأخذ منهم شخصياً ومباشرة حقائق التاريخ والتأسيس الرياضي.
يقول الدكتور أمين في كتابه: (أنا من جيل الوسط، ولذلك تمكنت من توثيق تاريخ الأجيال الثلاثة جيل الماضي وجيل الوسط وجيل الحاضر، وهذه الفرصة لن تتكرر لغيري؛ فالكثير من الجيل الأول قد واراهم الثرى، والبعض الذي يعيش بين ظهرانينا يدفن جزءاً كبيراً من تاريخنا الرياضي في كفن النسيان).
** ولم يكتف الدكتور أمين بما حقق رياضياً.. بل حرص على (العلم) الذي عشقه.. فواصل تعليمه العالي حتى حصل على أعلى الدرجات العلمية درجة الدكتوراة من الولايات المتحدة.. وشغل عدة مناصب عملية كان آخرها وزيراً مفوضاً بجامعة الدول العربية.
ولكنه لم يترك التاريخ الرياضي فجمع بين العلم والعمل والرياضة.. ووظف علمه وخبرته في سبيل التاريخ الرياضي. وهو مؤرخ كبير عرف بصدقيته وفكره العالي الموثوق..
ففي ذلك يقول رائد الرياضة الأمير عبد الله الفيصل في تقديمه لكتاب تاريخ الحركة الرياضية في المملكة: (أنا مطمئن غاية الاطمئنان على ما يحتويه هذا الكتاب لمعرفتي التامة ب(أمين) فهو دائماً يكتب بأمانة وهو شاب عاصر الرياضة في جميع مراحلها وجميع مستوياتها ابتداء من الملعب ثم عضواً عاملاً في مجالس الادارات ثم حكماً رياضياً ثم ناقداً رياضياً).
ويقول صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد -رحمه الله - : (إنني أشكر المؤلف الدكتور أمين ساعاتي على إتاحته الفرصة لي لأهنئه على الجهد المبذول في إعداد هذا الكتاب والذي آمل أن يكون أحد دعامات المكتبة الرياضية في كل مكان).
ويقول صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن فهد الرئيس العام لرعاية الشباب: (اطلعت على ما جاء في هذا الكتاب الجيد وما تضمنه من وثائق ستبقى من خلال هذا المؤلف تاريخاً يحكي التطور والنماء الذي شهدته الحركة الرياضية السعودية، أشكر لكم جهودكم في جميع هذه الوثائق وأشكركم على كتابكم القيم وجهدكم البناء).
وقال سمو الأمير نواف بن فيصل، نائب الرئيس العام لرعاية الشباب: (أشكركم على اهتمامكم باطلاعي على هذا الكتاب الوثائقي الشامل مقدراً لكم ما بذلتموه من جهد كبير في إعداده ولاشك أن هذا الكتاب سوف يثري المكتبة السعودية بما حواه من رصيد شامل ودقيق لتاريخ الحركة الرياضية في بلادنا متمنياً لكم التوفيق ان شاء الله).
** إننا - إذن - أمام شخصية رياضية فذة ومدرسة رائدة في التاريخ الرياضي.. حفظ لنا تاريخنا الرياضي من الضياع والاندثار.
وهذا ما جسده الزميل الأستاذ تركي الناصر السديري حين قال: (الدكتور أمين ساعاتي عقلية سعودية رياضية وهو أول مؤلف في تاريخ الرياضة السعودية مقدماً خدمة كبيرة لتوثيق التاريخ الرياضي وحفظ كثير منه من الاندثار والضياع، فلولا جهده لربما صعب على من تلاه من المهتمين بكتابة التاريخ الرياضي السعودي من رصد ومعرفة كثير من الأحداث والحقائق.
والدكتور أمين جدير بأن يكرم من قبلنا جميعاً من إعلام وصحافة وأندية واتحادات رياضية، فمن خدم رياضة بلاده خدمة رائدة وثمينة جدير بأن نحييه تحية عظيمة أقلها تكريمه معنوياً واحتفالياً لتعريف الأجيال الجديدة بصنيع جهده وعمله).
انها كلمة حق من مفكر رياضي كبير.. فالعقلاء هم الذين يدركون بفكرهم المستنير قيمة الجهد وحجم الانجاز ويطالبون بالتكريم والتقدير.. فالدكتور أمين بلاشك لم ينل حظه من التقدير والتكريم ولا ريب في أن جميع المهتمين بالتاريخ الرياضي نهلوا من معين الدكتور أمين وحصاد شقاء سنينه.
وفي ذات السياق يقول المؤرخ الرياضي عبد الله المالكي: (ليس كثيراً أن نطلق أسماءهم على الشوارع في المدن والمحافظات ومثال على هذا نقول: شارع أمين ساعاتي بدلاً من شارع الستين..).
** وأخيراً.. فإنها كلمة حق وإنصاف للدكتور أمين؛ فالكثيرون لا يعرفون من هو وماذا قدم!!
ولقد عايشت منذ صغري جزءاً من جهوده ومعاناته في رحلة البحث عن حقائق تاريخنا الرياضي سفراً وترحالاً في أرجاء البلاد في زمن كان فيه السفر إلى معظم المناطق رحلة عذاب!!
وبعد هذا، فإن محاولة صغير التطاول.. تظل من ديدن الصغار.. وأنى له بلوغ هامة عالية وقامة سامقة.
****
السيرة الذاتية
* ولد في عام 1945م في حي العلوي بمدينة جدة.
* حصل على درجة البكالوريوس في الاقتصاد من جامعة الملك عبدالعزيز بجدة.
* انضم إلى نادي الاتحاد بجدة في عام 1377هـ.
* حصل على درجة الدكتوراه من جامعة كليرمونت بالولايات المتحدة.
* انضم عضواً في مؤسسة عكاظ للصحافة والنشر في عام 1384هـ.
* عضو لجنة اختيار مؤسسي تاريخ الحركة الرياضية في المملكة.
* وزير مفوض في جامعة الدول العربية.
(*) مؤرخ رياضي