أعتقد أن الأمر الملكي الكريم رقم أ - 191 الصادر يوم الاثنين الماضي، والمتعلق بالأحداث المأساوية التي نتجت عن هطول الأمطار على محافظة جدة، أعتقد أنه يدشن لمرحلة جديدة في الخطاب الملكي الكريم، نعم سبقه إرهاصات عدة، وإلماحات مختلفة وفي مناسبات وطنية كثيرة، ولكن خادم الحرمين الشريفين من هذه الحادثة وفي هذا التاريخ 13 - 12 - 1430هـ ومن خلال خطاب يختلف لغةً ومضموناً عمّا سبق يعلن أدامه الله الحرب على الفساد والمساءلة المباشرة والعادلة للجميع؛ جهات وأشخاص، دون محاباة أو مجاملة، فالناس على قدم المساواة، والمناصب الإدارية، كما أنها تشريف فهي أمانة عظيمة لابد أن تؤدى على الوجه الصحيح، والمتأمل في هذا الأمر الملكي الكريم والقارئ له بتمعن، يلحظ فيه جوانب مهمة تؤهله أن يكون نقطة تحول في إعلان المواجهة الفعلية مع الفساد الإداري في المملكة العربية السعودية، ولعل من أبرز ما أراه فيه:
التأصيل وبيان الأساس الذي قام عليه هذا الأمر الملكي الكريم الذي يصب في النهاية في خانة المواجهة مع الفساد الإداري الخطير، فهو ليس خطاباً عادياً مبنياً على العاطفة الآنية الإنسانية فحسب، بل إنه مبني على أساس نظامي متين، ومن قبله دين قوي عظيم.
عدم تنصل خادم الحرمين الشريفين من المسؤولية وإعلانه -رعاه الله- بكل شفافية ووضوح أنه قام بواجبه في حينه، رغم انشغاله بموسم الحج، والحرب مع الحوثيين، وغير ذلك كثير، وهو هنا -حفظه الله ورعاه- يومئ إلى أن المسؤولية الوطنية لا تقف عند شخص، وليس لها حد، والقيام بها يجب أن يكون من الجميع، وفي الوقت المناسب بلا تأخير أو تهاون، وعلى الوجه الصحيح، على أن تكون المسؤوليات محددة، والمهام واضحة ومحددة مسبقاً وحاضرة في الذهن دائماً، ومسؤوليات خادم الحرمين الشريفين ومهامه الملقاة على عاتقه في هذا الحدث بالذات تتلخص في التوجيه أولاً والمتابعة ثانياً، واتخاذ ما يلزم من إجراءات ثالثاً.
بيان حقيقة ما حدث بكل مصداقية وجلاء فهو ليس أمراً قدرياً يعجز البشر عن مواجهته وليس أمامهم حياله إلا التسليم والإذعان، هو ليس كارثة كما قيل، بل مجرد أمطار تسقط بشكل شبه يومي على العديد من الدول المتقدمة، وفي هذا رد على قول من قال ليبرر ويعلق الأخطاء على شماعة القدر، ومن ثم يغلق الملف كما أغلق ملفات عدة من قبل!.
التذكير بالأمانة والمسؤولية تجاه الدين ثم الوطن والمواطن والمقيم برؤية شرعية عميقة تحتاج بصدق أن يتذكرها كل مسؤول بل يحتفظ بهذا الأمر الملكي الكريم ليعرف أين يقف هو في ضوء هذا الخطاب، لابد أن يسأل نفسه أين موقع الدين ثم الوطن والمواطن من خارطة تفكيره وتصرفاته، هل يقدم هذه الثلاثة على حظوظه الذاتية ورغباته الشخصية أم أنه يوظف المنصب للحصول على مميزات تخوله الحصول على ما لا يستحقه من مال وخدمات وجاه.
التغذية الراجعة والمحاسبة العادلة للجهات والأشخاص على تقصيرهم وتهاونهم بكل حزم (دون أن تأخذنا في ذلك لومة لائم)، وهذه هي الركيزة الأساس والضمان الحقيقي للنهوض والرقي، فرسول الله صلى الله عليه وسلم أوجز سر هلاك من قبلنا بغياب المساواة واختلال ميزان العدل في حديث أسامة المعروف.
عموماً الأمر الملكي سيحدث أصداءً عالمية عديدة وآثاراً محلية كبيرة، شكراً من الأعماق باسم الملايين لملك الإنسانية الرمز عبدالله بن عبدالعزيز، ورحم الله شهداء الغرق ودمت عزيزاً يا وطني.