يروى أن مديراً في إحدى المنشآت له كلمة نافذة ويمتلك زمام الأمور فيها، ومن هذا المبدأ الذي ارتضاه لنفسه على حساب نظام المؤسسة، وعلى حساب مردودها المادي، فقد أجاز لنفسه تخصيص أكثر من سيارة، واحدة خاصة به، وثانية للعائلة، وثالثة مع أحد صغار الموظفين لتأمين متطلبات المنزل الخاصة، ورابعة مع موظف آخر خاصة بشؤون مزرعة المدير العام، والموظفان الأخيران (السائقين) لديهما أعمال إضافية ليست بالمؤسسة، وإنما تكون حسب مزاج ومذاق سعادته، فقد خصص أحدهما لذبح وسلخ وشواء قطيع من الأرانب متى ما اشتهت نفسه ذلك نهاية الأسبوع؛ لا سيما إن دعا أصدقاءه للمزرعة، والآخر يسمى (الحسيل) لأنه قد خصص لذبح حسيل من إنتاج المزرعة وإعداده للسهرة التي لا تأتي إلا برغبة سعادته، ومتى اشتاق لطعم ومذاق شرائح لحم صغار البقر مع السلطات والمشهيات..
وهو حر في تذوقه وشهواته، لكن أن يجند لها طاقات ومعدات المؤسسة فهذا هو محل الاستغراب.. ويبدو أنه لا يأبه بهذه الاستفهامات طالما أن المصروفات تؤخذ من بنود الأرباح ولا ضرر على رأس المال، وأصحاب الشأن راضون عن مستوى الدخل..
ويروى أيضا أن سعادته قد تمكن منه مفعول لحوم الأرانب فأدمن تصريف الموظفين والمراجعين والمتعاملين مع المؤسسة بأسلوب إطلاق الأرانب سريعة العدو والمدى ؛ وهي كناية عن إرضاء المراجع بكلام لا يغضب ولا يقضي الحوائج إنما يمرق كمروق الأرنب السريع، وبطعم كطعم مرقه بالثوم والبهارات لكن دون اللحم، وأضاف الراوي: إن هذا المدير يعد الآن من المتقاعدين ويتوقع أن يترهل جسمه إذ إنه قد تفرغ لالتهام مزيد من الحسلان والأرانب.. وزعم أحد المجربين أن لديه خبرة بطرق وأساليب مثل أولئك (المتمديرين) بالشركات والمؤسسات، وقال: إنهم غالباً اقل الأوساط الاجتماعية تأثيراً في المسائل الفكرية إذ إن هممهم لا تتعدى كروشهم ومراقبة نمو حسلانهم وأرانبهم ومدى تكاثرها، وتنطبق عليهم مقولة: إذا حلت البطنة غابت الفطنة، وفي الطب يقولون: ان الدورة الدموية بما فيها من أكسجين تنصرف نسبياً عن الدماغ كلما امتلأت المعدة والأمعاء بالطعام فيحدث الخمول الفكري، والسبات العقلي، ومع استمرار الحالة يتوقف نمو وعطاء صاحبها التفاعلي مع المجتمع، فأًصحاب الغذاء المتوازن من حوله ينشطون في حياتهم ويكتسبون معارف وعلوم جديدة و يواكبون عصرهم، فيما هو شبه ثابت بين الحسيل والأرنب فنظره وفكره وحواسه وجوارحه لا شغل لها إلا تصور منظرها وهي تتقلب على الجمر أو داخل الفرن بالمزرعة، أما مهام العمل والموظفين ومصالح الشركة فتأتي في آخر قائمة الاهتمامات، ولا يتذكرها إلا منتصف الليل، لماذا ؟ لأنه أدرك انه سيتأخر عن الحضور صباحاً ولابد من التأكيد على مساعده بالحرص على العمل والإخلاص فيه؛ فهو أمانة في أعناقهم والمسألة فيها حساب وعقاب، غير أن هذا الكلام لا يلبث أن تمحوه خيوط الفجر وأشعة الشمس، ويبقى شيء أكيد هو أن المساعدين بالشركة هم من يديرونها وهو يتفرغ للامتصاص والرضاعة من صندوقها، ويكمل الوجبة حسلاناً وأرانب عند المساء، بعد فتح الشهية.