تقولها بحسرة (تعبانه من كذا وكذا، جسداً ونفساً، ولا أستطيع أن أبوح بكل متاعبي، لأنني لا أريد أن أكدر خاطر أحد، أما من هو حولي، بل أقرب الناس إلي مبسوطين، لا يفكرون بي، ولا تتحرك مشاعرهم تجاهي،
وكأنني لا أعنيهم وليست لي صلة بهم). الشبان والشابات يحسون بالوحدة والجفاء والإهمال، أليسوا بشراً لهم مشاعرهم وأحاسيسهم، ولكن من يقدرها؟ من يكون معهم عندما تنفرد بهم الوسوسة وينفرد بهم من لا يفهم ولا يقدر أحوالهم وظروفهم؟، جيل يعاني وجيل آخر لا يرحم، وثالث يحسد ويظلم.
قد يحبك من حولك ولكنك لا تشعر بذلك الحب، لماذا؟ ربما لأن الغير لا يظهر ذلكم الحب، لا يعبر عنه بشكل من الأشكال، ألم يرد في حديث النبي، صلى الله عليه وسلم، (تهادوا تحابوا)؟ إذن لا يجب أن يكتم الحب أو المحبة، ورد أنه إذا أحببت شخصاً فاذكر له أنك تحبه في الله. ماذا عن الازدراء والاحتقار؟: أنت بالنسبة لهم صغير السن، لا تدرك الأمور، ويمكن النظر إليك على أساس أنك عديم الخبرة، وقد يقال عنك أنك فاشل في كل شيء، ما بعد هذا من تثبيط للهمم وما بعد ذلك من إحباط.
إن كنت في الجامعة لا يساعدك زملاؤك، ولو أخفقت مرة لنعت بالفشل، وما عليك إلا أن تثبت لهم أنك قادر على شق طريقك بكل ثقة وبكل إصرار، ولكنك مع ذلك تحتاج إلى المساعدة والمساندة والتشجيع. هل يمكنك أن تتخيل إذا أقبلت على زملائك ومن حولك، فرحاناً ومبسوطاً، يقابلونك بالتحطيم وبالمزاح غير المعقول، ربما لأنهم يحسدونك، فيك صفات تنقصهم وخصال يتمنون أن تكون فيهم: الطيبة والصدق وصفاء القلب. عرفت بأنك مرهف الإحساس، وكما يقال: (كلمة تجيبه وكلمة توديه)، ربما بسببهم وبالطريقة التي يعاملونك بها، أصبحت حساساً إلى درجة ملفتة للانتباه. ومن أولئك الناس: بشر تقدم لهم الخدمة وتصدقهم في القول وتعاملهم بالحسنى، ومع ذلك يسيئون إليك، ماذا ستكون ردة الفعل؟، هل ستكون مرتاحاً ومبسوطاً؟ تقول أتعامل مع زميلاتي في الدراسة بتقديم العون لهم، أطبع لهم الواجب وأكتب لهم المحاضرة وأساعد البعض في أبحاثهن، لم أقل لواحدة منهن (لا) لشيء طلبته مني، آتي إلى المكتبة لمساعدة بعضهن حتى لو لم يكن لدي حاجة للمجيء، وفي نهاية الأمر لا تقابل هذه بالحسنى، بل بالإساءة، لماذا؟ وفي المنزل تقوم بواجباتها وحصتها في العمل، بكل إخلاص وبكل مثابرة، ومع ذلك لا تقدر ويتوقعون منها أن تقوم بالمزيد، ومع ذلك لا تتبرم ولا تشتكي، هل سوف تستمر مثالية إلى الأبد، تحسن إلى غيرها وهم يسيئون إليها؟ أليس جزاء الإحسان إحساناً مثله؟ أم ماذا؟ وتذكر أنها لا تحتاج أكثر من كلمة طيبة تصدر منهم، هل طلبت كثيراً؟، أبداً ولكن! ثم عندما أكاشف أهلي وأقرب الناس إلي حول ما نعانيه من سخرية الأساتذة بنا وطريقة تعاملهم معنا، يؤخذ الكلام بلا جدية بل باستهزاء. وعندما جاء يوم فرحتي، يوم كنت أنتظره طويلاً، يوم عقد قراني، أحلى يوم في حياتي، يقول أحدهم، بسخرية: (فرحتك، فرحانة!) يا ويلاه ثم ويلاه ممن لا يرحم! يحطمني حتى في أجمل يوم وليلة من عمري. أصدقك القول: الحياة ما تسوى، ولا بد أن ننظر إليها في حجمها ونتعامل معها تبعاً لذلك، ما تستأهل أن (يزعل الواحد منا نفسه ويحرق قلبه بسببها)، أتمنى أن أعود إلى مدرسة تحفيظ القرآن، وأكمل حفظي لكتاب الله وأحقق حلمي بأن أصبح داعية لدين الله، أفضل من العودة لجامعة لا تقدر طلبة العلم، بل فيها من يتسبب في (تطفيشهم)! ثم ختمت: (أعذرني على إطالة الكلام).