هكذا تحولت عروس البحر الأحمر إلى مدينة إيطالية البندقية أو لنقل فينسيا في صباح الأربعاء تحولت جدة إلى مدينة متهالكة مطحونة بسبب هطول المطر وعدم تصريف مياهه مما أدى إلى قتل كُثر من الناس والصورة تحكي كما التقطتها العدسات مدينة تسبح وسط بحر متلاطم من مياه السيول مع الفارق أن جدة لم تستخدم الجندول كما حال فينسيا!
أشعر وأنا بين هذه السطور بوعكة ألم وبحاجة ماسة لأن أبكي حال مدينتي التي كبرت قبل أوانها مدينة مورس ضدها أسوأ أنواع الإهمال وأضحت عجوزاً تتكئ على الألم!
ماذا بقي منك يا جدة سوى أطلال وأرتال من العربات بعضها فوق بعض.. وأناس يسبحون في مياه قذرة وجثث طمرها السيل تحته مع أغنامها وأخرى جرفها لا نعلم إلى أين؟
ماذا يمكنني أن أكتب عنك يا مدينتي؟ أنت في غنى عن حروفنا وأقلامنا؟
جدة ليست بحاجة إلى من يرثيها أو يصرخ لأجلها!
بحاجة إلى صحوة ضمير من عاثوا وجهها الجميل إلى من مارسوا فيها أشد أنواع القسوة إلى وخز ضمائرهم التي نامت فوق أسرة ناعمة وثيرة.. وتركوا غيرهم تُهدم منازلهم ويطمسهم ماء المطر!
مسؤولية من؟
لا مجيب!
منذ كبرت قليلاً وأنا أسمع جدة ستغرق يوماً ما لأن البنية التحتية متراجعة جداً والأمانات أدت واجبها على ما يبدو جيداً كما يبدو لي!
إذاً نحاسب من على ما حدث؟
جدة بوابة الحرمين الشريفين والميناء الإسلامي المفروض أن تكون في أبهى حُلة وأجمل مظهر ولكن العكس فشوارعها تئن وتسبح في سيول جارفة ذهبت ضحيتها أرواح عديدة نتيجة الإهمال وليس لنا من الأمر شيء سوى أن نترحم عليهم وندعو لهم بالرحمة والمغفرة.
من المخجل أن تكون مدينتي بهذه الصورة المتصدعة، وليس لدينا الاستعداد لتصريف مياه الأمطار والاستفادة منه، ماء المطر أصبح يطمس ملامح مدينتي بكل ما فيها!
من المسؤول عن عدم تصريف ماء المطر؟ لا مجيب.
من المسؤول عن انهيار الجسور الكبيرة والمباني؟
من المسؤول عن انهيار البنية التحتية وسقوط المباني فوق رؤوس أهلها حتماً لا أحد؟
وأتساءل: لماذا يحدث هذا لمدينة جميلة مثل جدة؟
أما زلنا أمناء في أنفسنا وفي حق بلادنا نخدم بضمير؟
ماذا أقول لمدينتي في عيدها والتي فقدت ما يزيد عن مائة من ضحاياها؟
سوى عيد حزين (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ).
مرفأ:
المُلصقاتُ المُهترئة على ما تبقَّى من جدران.
المدينةُ المهجورةُ
بمنازلِها المُهدَّمة
وأطفالها المُتفحِّمِينَ في الملاجئ.
الماءُ والمعدن، تلكَ المعادلة المستحيلة.
المطرُ: المطرقةُ والمسامير،
مرايانا المُهَشَّمَة.