تصوروا هذا الخبر الذي يقول: (أوضح الناطق الإعلامي للدفاع المدني أن الدفاع المدني بدأ بتنفيذ الخطة التفصيلية لمواجهة مخاطر السيول بالعاصمة المقدسة والمشاعر تنسيقاً مع الجهات المعنية لتنفيذ خطة تدابير الدفاع المدني.
وقد تمركزت الوحدات الميدانية المتخصصة بكامل تجهيزاتها من القوارب والسباحين والغواصين في المواقع الخطرة والعمل على اتخاذ الإجراءات السريعة تبعاً لطبيعة الموقف وإخلاء الحجاج من المواقع الأكثر عرضة لمخاطر السيول إلى مواقع آمنه في حالة وجود ما يهدد أمن وسلامة الحجاج مشيراً إلى تنفيذ خطة الإخلاء متى دعت الحاجة لذلك واستمرار المتابعة لأي مستجدات وذلك من خلال نقلهم عن طريق (300) باص تنسيقاً مع النقابة العامة للسيارات) كلام جميل وهذا من واجبهم.
لكن لاحظوا جملة: (تمركزت الوحدات الميدانية بكامل تجهيزاتها من القوارب والسباحين والغواصين في المواقع الخطرة) ؟؟؟؟؟، لا تعليق إلا أن أماكن الخطر موجودة في كل مكان من بلادنا أثناء السيول وليس في مناطق المشاعر المقدسة فقط، فهناك كما رأينا، أن من مواقع الخطر ما يوجد أيضاً في مدينة جدة أو غيرها.
وبجانب ذلك، هناك أخطار خافية عن الأذهان والبعض منا يعيش بجانب مواقع الخطر، فبالنظر إلى مساحة المملكة واتساعها، وما تشمله من العديد من المناطق التي يتخللها العديد من الأودية المختلفة الأحجام التي في الغالب تنصرف إلى البحار أو الصحاري، فإن الأمر تطلب التوسع في إقامة السدود وزيادة عددها لتقابل ذلك التدفق الهائل الكبير من مياه السيول الواردة خلال تلك الأودية لتحقيق أقصى استفادة منها وللحماية من مخاطرها حيث إن طبيعة المملكة تغلب عليها الأراضي الصحراوية أو الجبال الشاهقة وتوجد التجمعات السكانية في غالبيتها على ضفاف الأودية أو بالقرب منها لكونها مصدر تجمع المياه. لذلك فانتشار السدود والتوسع في إقامتها في المملكة يجسد اهتمام وعناية الحكومة بتوفير مصادر مائية مساندة من أجل تنمية مناطق التجمعات السكانية والمناطق الزراعية المجاورة لمسارات الأودية. واليوم مع التطور الكبير الذي تشهده المملكة فقد انتشرت السدود في ربوعها كافة. وبلغ ما تم إنشاؤه حتى الآن أكثر من (237) سداً، إجمالي سعتها التخزينية حوالي ثمانمائة وثلاثة وستين مليونا وأربعمائة وثمانية وخمسين ألف متر مكعب، منها 89 سداً من النوع الخرساني أغلبها في مناطق الدرع العربي (عسير ومكة المكرمة والمدينة المنورة والباحة وجيزان ونجران ومناطق أخرى)، و148 سداً ترابياً وركامياً موزعة في مناطق المملكة المختلفة، كما أن هناك 115 سداً تحت التنفيذ، منها 47 سداً خرسانياً، وأربعة عشر سداً منها للحماية والتحكم، والباقي للاستعاضة والشرب، وإجمالي سعتها التخزينية حوالي مليار ومائتين وخمسة وتسعين مليوناً وخمسمائة وخمسة وتسعين ألف متر مكعب منها سدود كبيرة على أودية حلي ورابغ والمرواني والليث وبيش، ويبلغ عدد السدود المنفذة للتحكم والحماية 61 سداً و 14 سداً أو أكثر تحت التنفيذ والباقي لأغراض الاستعاضة والشرب.
من المعروف أنه في الماضي حدث في العالم إخفاق وانهيار لسدود بنيت حسب مواصفات هندسية ونظم بناء مقبولة في وقت بنائها، وبعد الانهيار تندفع كميات رهيبة من المياه والتي تخلف ضحايا، ودمار للممتلكات يختلف حجمها بحسب كبر السد وكمية المياه المخزونة فيه قبل الانهيار، فمثلاً في عالمنا العربي انهارت أربعة سدود خلال السنوات العشر الماضية: (سدان في سوريا، وواحد في المغرب، وواحد في السعودية - ترابي).
وأكثر ما يقلقني هو سلامة السدود في بلادنا، لأنها مثل القنابل الموقوتة يمكن أن تنهار في أي لحظة بعد أمطار شديدة فمثلاً هل تصدقون أنه في شهر أغسطس من عام 1975م، مات 26000 شخص في وسط مقاطعة هنان بعد انهيار سدين، إثر سقوط أمطار شديدة. واحتمال انهيار سدود أخرى كبيرة قائمة ومثال على ذلك ما ذكرته الواشنطن بوست من أن سد الموصل يتعرض لخطر حقيقي بانهيار وشيك، ما قد يطلق 4 مليارات متر مكعب من الماء دفعة واحدة، الأمر الذي سيؤدي إلى مقتل آلاف الناس وغمر اثنتين من أكبر مدن العراق، وقد يؤدي ذلك إلى مقتل 500 ألف مدني بسبب غمر مدينة الموصل بحوالي 20 متراً من الماء وأجزاء من بغداد بحوالي 4 - 5 أمتار.
وانهيار السدود يحدث في بعض الأحيان بقليل من الإنذار وفي أحيان أخرى بدون إنذار، فالعواصف الرعدية المطيرة قد ينتج عنها فيضان في ساعات قليلة أو حتى في دقائق على طول مجاري الوديان وفي مناطق مصباتها. وتلك الفيضانات الخطرة المفاجئة تحدث في خلال 6 ساعات من بداية سقوط أمطار كثيرة على منابع الوديان، وإخفاق وانهيار السدود ربما يحدث خلال العلامات الأولى من التصدع أو بعد حدوث ثغرة في السد.
وعلامات الإخفاق أو القصور وتكون الثغرات الأخرى في السد قد تأخذ وقتاً أطول لتحدث، من أيام لأسابيع، كنتيجة أخطاء إما في دراسات تربة موقع السد أو نتيجة أخطاء تصميمية أو أخطاء تنفيذية عند الإنشاء.
وقد يتساءل من يعيش بالقرب من مواقع الخطر عند السدود عن كيفية حماية نفسه من إخفاق وقصور السدود، وماذا يمكن عمله قبل إخفاق السد، وخلال وبعد الفيضان. لكل واحد من هؤلاء أقول: إن أهم خطوة تعملها قبل إخفاق وانهيار السد هي أن تبقى حياً وآمناً، ومعرفتك بالخطر المحدق بك، وأن تعرف أن هناك خطة طوارئ ستتخذ، وأنك سترحل عندما يطلب منك المسؤولون ذلك هذا إذا لم يكونوا مشغولين بأمور أخرى مثل الحج، (وتابع الأمور عن قرب لأنك يمكن أن تنسى وقت الربشة وهذا يحدث في كثير من الأحيان وفي كثير من الدول).
أما طرق التخطيط للمستقبل، فتعمل إذا كنت تعرف الخطر الذي تواجهه، وتعيش على جانبي الوادي على طول المجرى خلف السد؟ وهل يشكل السد خطورة عالية؟ ولتعرف ذلك، اتصل بإدارة السدود في وزارة المياه والكهرباء أو بالدفاع المدني في المنطقة التي تعيش فيها وعساهم يعرفون هم عن ذلك.
لذلك من المفروض زيادة الدعم لإدارة السدود في المملكة وينشأ فيها أو في الدفاع المدني جهاز أو قسم يختص بأخطار وبسلامة السدود، تكون من مسؤوليته بجانب سلامة السدود، العمل على سلامة المواطنين من أخطار السدود، كما يجيب عن تساؤلات المواطنين، ويجب دائماً أن تحاول أن تعرف من المسؤول عن إدارة السد إذا وجد في منطقتك، ولا أظن أننا وصلنا إلى هذه المرحلة من الوعي. وتسأله هل هناك تعليمات مكتوبة، تبين خطط الطوارئ الأساسية المخطط لها في حالة إخفاق السد، والتي يجب إتباعها لتقليل أضرار الممتلكات وفقدان الحياة، وكما تبين الخطوات الواجب اتخاذها لحل المشاكل عند السد من قبل الجهة المشرفة عليه، وتساعد أيضاً في توجيه إنذار مبكر للدفاع المدني والجهات المسؤولة عن الطوارئ والسلطات المحلية بالمشكلة الطارئة. فمثلاً لا قدر الله (تصوروا لو أن أمطاراً عظيمة وكثيرة استمرت عدة أيام في المنطقة التي يتغذى منها أي سد مثل سد المجمعة الذي يفيض دائماً، ويشكل خطورة كبيرة على السكان خلف السد، وسد جيزان أو نجران أو بيشة، حيث إن مقاومة السد تضعف أمام قوة تلك المياه أو لأي سبب آخر مثل إمكانية أن يتعرض أحد سدود المنطقة الجنوبية الغربية أو السدود المنطقة الغربية الشمالية أو منطقة مكة المكرمة لهزة أرضية أو اعمال تخريبية لا قدر الله، واحتمال ذلك وارد، ولا يعلم الغيب إلا الله، مما قد يتسبب في إخفاق وتداعي السدود في تلك المناطق، حينئذ ستندفع المياه العظيمة المحتجزة خلف تلك السدود وتجرف كل ما يقع في طريقها من بشر وحيوان وممتلكات مسببة دماراً كاملاً قلت تصوروا فقط لم أقل إنه سيحدث لا قدر الله. ولو حدث مثل ذلك وتحتاج أن ترحل من موقعك، فيجب أن تخطط مسبقاً لمعرفة طريق الرحيل من المكان، وابتعد بسرعة عن طريق الخطر.
وإذا كان هناك إمكانية حدوث فيضان لا قدر الله في منطقتك نتيجة تداعي سد أو من هطول أمطار كثيرة، وكنت تقطن خلف السد في طريق الفيضان والمياه المندفعة بشدة، فيجب عليك دائماً الاستماع للراديو والتلفزيون السعودي في أوقات شدة المطر من أجل المعلومات الطارئة.
كما يجب الاحتراس من إمكانية حدوث فيضان محلي، وانتقل حالاً إلى مناطق عالية، لا تنتظر تعليمات التحرك من قبل السلطات مثل الدفاع المدني أو الشرطة أو الإمارة، واحترس من قنوات مجاري المياه الجافة، لأنها قد تفيض فجأة في أماكن، بدون أن يكون هناك إنذار مسبق مثل وجود مطر، أو غيوم في المنطقة لأنها قد تكون آتية من منطقة بعيدة عنك، فمثلاً الأمطار الكثيفة التي تسقط على مجاري السيول حول ضواحي المدينة المنورة، تتجمع كلها وتصب في مجرى وادي الرمة، والذي يسيل بشدة في بعض السنوات ويجرف كل شيء أمامه، في منطقة القصيم، وقد يتعداها إلى منطقة الخليج في الكويت والبصرة، كما تشتهر بها الوديان التي تسيل شرقا وغرباً من هضبة الحجاز كما حدث في جدة.
فقط خذوا العبرة من الشواهد الجيولوجية مثلما حدث لجبل طويق، فهل تصدق أن اختراق وداي الدواسر وغيره من الوديان لجبل طويق خير دليل على قوة السيول في قديم الزمان (السيل ينحر ويشق الجبل) لذلك لا نستبعد أن تأتينا سيول جارفة في المستقبل، والغيب لا يعمله إلا الله عز وجل (لا أقول إلا خذوا حذركم) كما خذوا العبرة من الحاضر وادرسوا ما حدث من دمار في مدينة جدة خلال ساعات، لتعرفوا أن السيول القوية خطرة، ولا تريد أن تكون أحد الضحايا في المستقبل فحياتك غالية لا تقدر بثمن عند محبيك.
المهم إذا كنت مضطراً لترك مكانك والبعد عن الخطر، فعليك عمل الآتي: أمّن منزلك أو استراحتك، لو كان لديك الوقت، أدخل جميع الأثاث للداخل، انقل الأشياء المهمة مثل التلفزيون وغيرها إلى الدور العلوي إذا وجد، واقفل جميع مفاتيح الخدمات مثل الماء والتلفون والغاز والكهرباء، واحرص أن لا تلمس الأجهزة الكهربائية لو كنت مبللاً أو تقف في الماء أما لو اضطررت لترك منزلك أو مكانك، فتذكر أن لا تمشي في مجرى السيل في الماء المتحرك، وتذكر أن 15 سم من الماء المتحرك بشدة يمكن أن تتسبب في سقوطك، لكن لو اضطررت للمشي في السيل، فامش في منطقة الماء غير المتحرك إذا وجدت، واستعمل عصا أو قطعة خشب طويلة لمعرفة قوة الأرض التي أمامك، حتى لا تعلق في الوحل كما لا تقُد سيارتك في المناطق المغمورة بالماء، وإذا ارتفع منسوب الماء حول سيارتك، فاترك السيارة وانتقل إلى منطقة مرتفعة، لو استطعت ذلك بأمان، لأن سيارتك يمكن أن يجرفها السيل وتصبح في خطر شديد..
يا عزيزي القارئ تذكر دائماً أن 15 سم من الماء المتحرك يمكن أن تصل أسفل أغلب السيارات، مسببة فقدان السيطرة وإمكانية العطل والتوقف وتذكروا سابقاً السيارات المتعطلة أسفل الكباري وأن 30سم من المياه يمكن أن تتسبب في طفو كثير من المركبات، وأن 60 سم من الماء المندفع بشدة يمكنه حمل وتحريك أغلب المركبات كما حدث في مدينة جدة.
كما يجب عليك متابعة التقارير الإخبارية بعد الفيضان هل مياه الشرب في تمديدات شبكة المياه في منطقتك آمنة لتشربها، وتجنب مياه الفيضانات فقد تكون ملوثة بالزيت، أو الكيروسين أو مياه المجاري، وربما تكون المياه مكهربة نتيجة اتصال الماء مع خطوط الكهرباء الأرضية، وكذلك المياه المتحركة، كما تجنب المناطق التي انحسرت عنها المياه فالطرق قد تكون ضعفت، ويمكن أن تنهار تحت ثقل السيارة، كما ابتعد عن خطوط الكهرباء المتداعية والساقطة على الأرض، وبلغ شركة الكهرباء بسقوطها عند مشاهدتك لها، وارجع لمنزلك عندما تبلغك السلطات المحلية بذلك عندما يكون الوضع آمناً، وابتعد عن أية مبانٍ تكون محاطة بمياه الفيضان، كما كن حذراً جداً عند دخولك بنايات تعرضت للفيضان، لأنه يمكن أن يكون هناك أساسات مختفية قد تضررت، ولا تنسَ أن تقوم بصيانة البيارات وغرف التفتيش ونظم ترشيح المجاري المتضررة، لو وجدت بأسرع ما يمكن لأن نظم المجاري المتضررة تكون خطراً على الصحة العامة، كما نظّف وطهّر أي شيء تبلل كما أن الطمي المتبقي بعد الفيضان يمكن احتواؤه على بقايا المجاري والكيماويات.
وأخيراً أرجو أن تكون وزارة الثقافة والإعلام أخذت درسا من فاجعة جدة لتعيد سياساتها الإعلامية تجاه الكوارث والتحذير من حدوثها في الأوقات المناسبة، لقد كان هناك غياب كامل للتلفزيون والإذاعة السعودية الرسمية في أحداث الأربعاء الأسود لأنه للأسف لا يتحركون إلا إذا أُمروا والأوامر قد تأتي متأخرة بعد أن تبثّ وكالات الأنباء في جميع أنحاء العالم ما حدث ويحدث في بلادنا.
كما أرجو وأكرر أنه يجب أن يدعم الدفاع المدني في الوقت الحاضر في كل مناطق المملكة ليصبح قادرا على التصدي ومواجهة الأخطار في كل شبر من بلادنا ويجب أن لا يعيق الحج أو أي كارثة في منطقة من بلادنا جهود الدفاع المدني والسلطات في المناطق الأخرى.
عضو لجنة الصحة والبيئة بمجلس الشورى