قدمت روبين ميردث - متخصصة في الشأن الهندي والصيني - هذا الكتاب بنسخته الإنجليزية في عام 2007م، أي قبل الأزمة المالية العالمية، إلا أنه وعلى الرغم من ذلك لم يفقد قيمته، نظراً لعمق التحليل وشموليته للعوامل البنيوية لعملية صعود الهند والصين.
تشير المؤلفة إلى أن الصين فتحت أبوابها للعالم الخارجي في العام 1978م، وهو ما لم تفعله الهند إلا في العام 1991م، ومن ثم بدأت حظوظ الدولتين في التغير. وبعد 25 سنة من تلك (الإصلاحات الاقتصادية) زادت الدخول في الصين إلى الضعف مقارنة بالهند، وفي 2003م تجاوز 87% من الصينيين خط الفقر المقدّر بدولار في اليوم، بينما لم يتجاوز سوى 69% من الهنود. واستثمرت الشركات الأجنبية 7.5 بليون دولار في الهند خلال السنة المالية المنتهية في 2006م، بينما يستثمر المبلغ نفسه في الصين كل ستة أسابيع. وهكذا يتحرك اقتصاد الهند بطيئاً متثاقلاً، بينما تحلق الصين في السماء على طريق المستقبل (ص 16 - 17). وتشدد المؤلفة على أن صعود البلدين ليس بسبب حركة الوظائف عبر البحار، ولكنه تحول بنيوي كبير (ص 20 - 21).
تتناول المؤلفة في الفصل الأول الدور الخطير الذي تلعبه الطبقة الوسطى في تحقيق التنمية كما تعرضت لمفاصل المشروع الإصلاحي الشيوعي ل (ماو) الذي وضع برنامجاً إصلاحياً تحت لافتة مقبولة سياسياً (اشتراكية ذات خصائص صينية)، ثم إعداد خطة لتحقيق نمو بمعدل 8% سنوياً لتأسيس تنين اقتصادي أبدي، وهو ما حققوه فعلاً!
بينما يركّز الفصل الثاني على التجربة الإصلاحية الهندية، وتقفز المؤلفة بنا إلى 1991م، وهو عام وصل عدد الذين هم تحت خط الفقراء إلى 230 مليون نسمة، وانهارت الموارد المالية الحكومية، ووصلت إلى حد الإفلاس، مع مشاكل سياسية خطيرة، فما الذي حدث بعد ذلك؟ بعد اغتيال (راجيف غاندي) في 1991م، تولى (نارشيما راو) رئاسة الحكومة، وعين العالم الاقتصادي الألمعي والمستقيم أخلاقياً (مانموهان سنغ) وزيراً للمالية، حيث تولى وضع خطة إصلاح اقتصادية واسعة أفلحت في تحقيق نمو أعلى وانخفاض كل من البطالة والتضخم والدين العام واسترداد احتياطي الصرف الأجنبي.
في الفصل الرابع أوضحت المؤلفة العوامل التي دفعت الشركات الأجنبية (ومنها ميكروسوفت وآي بي إم وجنرال إلكترويك) إلى نقل وظائف ذوي الياقات البيضاء عبر البحار Offshoring وتحديداً في الهند، وأشارت إلى بعض التقديرات التي تذهب إلى انتقال 300 ألف وظيفة أمريكية سنوياً لمدة 30 سنة، وقد شبهت المؤلفة الصين بأنه أصبح (مصنع العالم) في حين باتت الهند هي (المكتب الخلفي) Back Office للعالم. وفي الفصل الخامس تناقش المؤلفة مسألة عولمة التصنيع، ويتعرض الفصل السادس لبعض مظاهر التغيرات الثقافية في الهند، وتطرقت المؤلفة فيه إلى بعض التقديرات الهامة ومنها ما يتعلق بالانفجار السكاني، حيث تشير التقديرات إلى أن الهند ستتجاوز عدد الصينيين في 2030م، غير أن علماء الاقتصاد يتوقعون أن تكون الهند ثالث أكبر اقتصاد بعد أمريكا والصين وستصبح أكبر قوة عاملة في العالم لأن 68% من سكانها سيكونون في سن العمل (986 مليون نسمة). وفي الفصل السابع تناولت المؤلفة بأسلوب تحليلي الأبعاد الثقافية في المجتمنع الصيني.
وفي الفصل الثامن، تعيد المؤلفة تذكيرنا بالدور المحوري لكل من الهند والصين في الاقتصاد العالمي، فقد كانتا في عام 1600م تقدمان أكثر من نصف الناتج الاقتصادي العالمي، وتصدران أشياء كثيرة كالحرير والخزف والشاي والأثاث والتوابل، وفي عام 2006م جاء على لسان (مانهومان سنغ) - رئيس وزاء الهند - (كلا البلدين على طريق استعادة مكانهما الأصيل في الاقتصاد العالمي) (ص 246)، وتستعرض المؤلفة بعض الإحصائيات الهامة في هذا الصدد: بحلول 2003م أصبح البلدان يمثلان20% من الاقتصاد العالمي، وسيرتفع نصيبهما إلى 28% في عام 2030م، وهنالك توقع من قبل بعض العلماء بأن تتجاوز الصين في ذلك العام اقتصاد أمريكا لتصبح الثانية وتكون الهند هي الثالثة. وأخيراً تتعرض المؤلفة للقلق الأمريكي الكبير جراء صعود الصين والهند، بالإضافة إلى تعقد عمليات التنبؤ بما يمكن أن يحدث فعلاً للاقتصاد الأمريكي والاقتصاد العالمي، وقد أشارت المؤلفة إلى أن ذلك الصعود خلق سؤالاً كبيراً: هل الهند والصين أصدقاء أم أعداء؟ وهل يمثل الصعود خيراً أم شراً على الغرب؟ وفي معرض إجابتها تصرخ المؤلفة: (ليكن صعود الهند والصين عامل حفز لإعادة ترسيخ القدرة التنافسية لأمريكا) (ص 320).
الكتاب: الفيل والتنين - صعود الهند والصين ودلالة ذلك لنا جميعاً
المؤلف: روبين ميريديث Robyn Meredith، ترجمة، شوقي جلال
الناشر: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب - الكويت (عالم المعرفة) 2009م
beraidi2@yahoo.com