الجزيرة - الرياض:
أشاد عددٌ من القضاة بأهمية انعقاد ملتقى الاختصاص القضائي الذي تنظمه مجلس الغرف التجارية ومركز حقوق للتدريب القانوني يوم الأحد المقبل نظراً لما يقدمه من موضوعات ستسهم الارتقاء بالعمل القضائي من حيث الجودة والسرعة وتلمس أهم جانب في الشأن القضائي وهو الاختصاص الذي باتضاحه ومعرفة المتقاضين به يتم اختصار الوقت والجهد عليها وعلى جهات التقاضي كما تطرقوا خلال هذا التحقيق إلى أبرز المشكلات المتعلقة ببعض الاختصاصات القضائية.
في البداية قال د. عبدالعزيز بن محمد المتيهي القاضي بالمحكمة الإدارية بمنطقة الرياض إن من أهم دواعي عقد ملتقى الاختصاص القضائي، إلقاء الضوء على التطوير الإيجابي للتنظيم القضائي الجديد، وخصوصاً لجهة التخصص القضائي الدقيق لكل نوع من القضايا، وهو ما سيُسهم في الارتقاء بالعمل القضائي من حيث الجودة والسرعة، ومن حيث استفادة القضاة من تراكم الخبرة لديهم في نظر كل نوع من هذه القضايا، مع تحسن صياغة الأحكام، وتدوين حيثياتها، وتفعيل الاستفادة من المبادئ القضائية التي تقرها المحكمة العليا في القضاء العام والمحكمة الإدارية العليا في القضاء الإداري، فضلاً عن التخفيف من مشاكل تنازع الاختصاص السلبي والإيجابي بين المحاكم في نظر القضايا، الذي سيختصر الوقت على القضاة والخصوم ووكلائهم وأكد أن أبرز مشكلات الاختصاص القضائي هي ضياع وقت أصحاب الحقوق عندما يطالبون بحقوقهم أمام جهات قضائية، غير تلك المختصة بنظرها.
ومن المعلوم أن التخصص القضائي أصبح سمة هذا العصر، الذي تنوعت علومه، وتشعبت قضاياه بشكل كبير جداً، حتى أصبح من المستحيل فعلاً على أي قاضٍ أن يتعرف على كل - أو أهم - المبادئ في الحقوق الإدارية والتجارية والجزائية والعمالية والأسرية وغيرها كثير في وقت واحد وهو ما حمل الحكام في كل دول العالم على تعيين جهات قضائية محددة، وتكليف كل منها بنوع محدد من القضايا، حتى لا يقضي القاضي إلا عن علم ومعرفة تأمين بالأحكام وبالحقوق المتعلقة بالقضايا التي تعرض عليه، إن هذا الواقع الماثل للعيان الآن الذي أصبح سمة القضاء في العالم المعاصر، يؤدي - حكماً - إلى وقوع بعض المشاكل المتعلقة بالاختصاص.
وقال الدكتور المتيهي إن الحد من مشكلة تنازع الاختصاص القضائي ضرورة ملحة يجب عدم التهاون فيها أبداً أما السبل المؤدية للحد من هذه المشكلة فهي كثيرة، من أهمها وضوح التقنين الناظم لأحكام الاختصاص القضائي. لأن الغموض في النصوص يؤدي إلى مشاكل كبيرة في التطبيق ونشر الأحكام القضائية، والمبادئ التي تقررها المحاكم في اجتهادها القضائي، وخصوصاً المتعلقة منها بالاختصاص، حتى يتضح لكل المعنيين التفسير الذي استقر عليه الاجتهاد القضائي لأحكام الاختصاص وإقامة المزيد من الندوات والملتقيات العلمية، وتشجيع ونشر الدراسات والبحوث العلمية، التي تهتم بموضوع الاختصاص القضائي، وتطرح مشاكله على بساط البحث، وتقترح الحلول لها. وغير ذلك كثير.
أما في حالة التنازع فإن لجنة الفصل في التنازع سيكون مقرها المجلس الأعلى للقضاء، في حين توجد لجنة مماثلة للفصل في التنازع في ديوان المظالم لتحديد الجهة المختصة في كل قضية على حدة.
وأوضح أن اللجان شبه القضائية بلغت في السعودية أكثر من 27 جهة حكومية تنظر في 74 اختصاصاً قضائياً ومن أهم اللجان ذات الاختصاص شبه القضائي: لجان تسوية الخلافات العمالية ولجان ومكاتب الفصل في منازعات الأوراق التجارية، واللجان الجمركية ولجان مكافحة الغش التجاري ولجنة تسوية المنازعات المصرفية.
وقال إن مشروع إعادة هيكلة القضاء شمل ديوان المظالم وأعاد ترتيب الاختصاصات القضائية له وللقضاء العام أيضاً ويمكن القول بإيجاز إنها إعادة نقل عمل ما ليس من اختصاص القضاء الإداري إلى القضاء الشرعي، وهو القاضي الطبيعي في كل المنازعات غير الإدارية، لذا فإن ترتيب المحاكم في القضاء العام سيشمل المحاكم التجارية والمحاكم الجزائية وأن يصبح لديوان المظالم اختصاص بنظر أي دعاوى تجارية أو جزائية، وإن من يطلع على المذكرة الإيضاحية للنظام القديم للديوان يجد أن اختصاص الديوان ينظر غير القضايا الإدارية هو اختصاص مؤقت، حيث نصت المذكرة على ما يلي (بما أن الديوان جهة قضاء إداري قال اختصاصاته الجزائية مؤقتة إلى حين عمل الترتيبات اللازمة لقيام المحاكم بالفصل في تلك القضايا وفق نظام القضاء)، ويقال هذا أيضاً عن الدعاوى التجارية التي أضيفت للديوان في وقت لاحق.
ومن جانب آخر أكد القاضي عبدالعزيز بن علي الشثري أن لعقد هذا الملتقى أهمية من حاجة الناس الماسة إلى التقاضي الفريضة المهمة لإعطاء كل ذي حق حقه وفصل الخصومات.
وهذا الملتقى تلمس أهم جانب في الشأن القضائي وهو الاختصاص الذي باتضاحه ومعرفة المتقاضين به يتم اختصار الوقت والجهد عليها وعلى جهات التقاضي كما أنه يثري الثقافة القانونية والشرعية لدى الموجه لهم مثل هذا الملتقى من المحامين والمستشارين وطلاب الشريعة والقانون وكل من له صلة بعملية التقاضي.
وقال إن من أهم وأبرز المشكلات المتعلقة ببعض الاختصاصات القضائية في الوقت الراهن هي كثرة اللجان القضائية وشبه القضائية كذلك ضعف الأنظمة والقوانين الحالية عن معالجة هذا التنازع، كذلك عدم وجود جهات التقاضي تحت مظلة واحدة تكون هي الفيصل عند التنازع سلباً أو إيجاباً، فضلاً عن وجود دورات تعنى برفع كفاءة رجال القضاء من جهة وتعريفهم بالاختصاصات الدقيقة ووضع مبادئ عامة قضائية تحل الكثير من الإشكالات ويمكن الحد من هذه المشكلة بعد تطبيق نظام القضاء الجديد كونه اهتم بالتخصص أولاً ووضع جهات التقاضي المدني والجزائي تحت مظلة وإشراف المجلس الأعلى للقضاء، وأحال القضاء الإداري إلى ديوان المظالم ومن سبل توعية المجتمع استقلال القضاء الإعلام المرئي والمسموع والمقروء والشبكة المعلوماتية، تشجيع المختصين حتى يتفاعلوا مع المجتمعات ويوصلوا لهم هذه الثقافة القضائية، ولا شك أن لوزارتي التربية والتعليم العالي أثراً فاعلاً في إدراج مواد تهتم بمثل هذه الثقافة وتدريسها إلخ وأكد سيكون لإلغاء اللجان ونقل اختصاصاتها للمحاكم أثر فاعل في القضاء على السلبيات القائمة إذا روعي حسن تطبيق الأنظمة وتأهيل العاملين بالسلك القضائي ومعاونيهم.
ومن جهة أخرى قال القاضي بديوان المظالم د. محمد بن صالح المقبل إن أهمية عقد هذا الملتقى تبدو واضحة جلية في أنه يساعد على رسم طريق الدعوى لمن يريد المطالبة بحقه عن طريق القضاء، كما أنه في مثل هذه الملتقيات يحصل اجتماع عددٍ من المهتمين بالشأن القضائي تحت سقف واحد، وينتج عن ذلك تلاقح الأفكار والنقاشات المثمرة حول المسائل المشكلة في الاختصاص القضائي، وما يحصل عن ذلك من تبادل الخبرات بين المشاركين، ونقلها إلى المهتمين بها وذلك بقوالب سهلة ميسرة.
كما تبدو أهمية عقد مثل هذه الملتقيات في نشر الثقافة القضائية والقانونية بين أوساط المهتمين بالشأن القضائي، فضلاً عن سائر أفراد المجتمع الذين يتابعون هذه الملتقيات عن طريق وسائل الإعلام.
وعن أبرز مشكلات المتعلقة ببعض الاختصاصات القضائية أكد أن أبرز هذه المشكلات في هذا الصدد تكمن في وجود تنازع في الاختصاص القضائي بنوعيه، التنازع الإيجابي، والتنازع السلبي، وإن كان الأعم الأغلب هو التنازع السلبي، وينتج عن ذلك مشكلة مقتضاها تأخير البت في القضايا، لما يسببه هذا التنازع من تنقل أصحاب القضايا بين الجهات القضائية المختلفة.
ونظراً لما قد يحصل من دقة التفرقة بين القضايا المتنوعة ذات الاختصاص المختلف، فإنه قد يجري السير في القضية والدخول في موضوعها، ويستغرق ذلك وقتاً طويلاً، ثم ينتهي الحكم من محكمة التمييز، أو هيئة التدقيق الإدارية -بحسب الأحوال- إلى عدم الاختصاص الولائي بنظر القضية مدار البحث.
وأشار الدكتور المقبل إلى إمكانية الحد من تنازع الاختصاص بين الجهات القضائية باتباع عدد من الطرق وفقاً لما يلي: السعي إلى إيجاد نظام يسوغ للجنة تنازع الاختصاص بأن تكون الأحكام التي تصدرها بمثابة مبادئ ملزمة للمحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف للسير على منوالها في جميع الأحكام التي تصدرها بمثابة مبادئ ملزمة للمحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف للسير على منوالها في جميع القضايا المستقبلية المماثلة لما تم عرضه على اللجنة المشار إليها، واستقرار ودراسة جميع القضايا التي يحصل بشأنها تنازع اختصاص بين المحاكم أو الدوائر القضائية، ويكون ذلك بشكل سنوي، ثم تستخلص من خلال القواعد التي انبنى عليها حكم لجنة تنازع الاختصاص الصادر بهذا الشأن ويجري تعميمها على المحاكم ذات العلاقة للسير عليها في جميع القضايا المماثلة.
وعن أثر إلغاء اللجان القضائية ونقل الاختصاصات إلى المحاكم قال إن هذا سوف يؤثر تأثيراً بالغاً في الحد من تحاكم الأشخاص إلى جهات غير مختصة بنظر قضاياهم، لأن كثيراً من الناس ليس لديهم أي معرفة بتلك اللجان القضائية، وإنما تعارفوا على أن القضاء العادي هو الذي يفصل في خصوماتهم وقضاياهم أياً كان نوعها، فمن أراد التقاضي بادر برفع دعواه أمام القضاء العادي المعروف ولو كان غير مختص بنظر القضية، مما يترتب عليه هدر للجهد والوقت، لأن مصير دعواه سوف ينتهي بالحكم بعد الاختصاص، أما إذا وجد الشخص العادي أمامه في القضاء العادي خمس محاكم فقط، فالغالب أنه من خلال اسم المحكمة يهتدي إلى المحكمة المختصة بنظر قضيته، ومع أن الأمر في هذا نسبي إلا أنه أفضل بكثير مما كان عليه الوضع أثناء قيام تلك اللجان وتعددها وانضوائها تحت مظلة عدد من الوزارات والمصالح الحكومية.
هذا بالإضافة إلى أن الأحكام تصدر من المحاكم المتخصصة سوف يكون لها قوة أكبر من تلك القرارات الصادرة من اللجان القضائية، لما يتمتع به القضاة من حصانة قضائية، وضمانة أكثر لعدالة القضاء.