حاسن البنيان :
استبشر السعوديون، وعمّت الأفراح كل بيت سعودي؛ لعودة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام إلى أرض الوطن سالماً معافى من رحلته العلاجية. وعندما يفرح المواطنون بسلامة وعودة (أبو خالد) فليس ذلك بمستغرب؛ لأنه امتلك حب من عرفه أو التقاه أو تحدّث معه بنبله وسماحته وإنسانيته وعطفه، وليس أبلغ في ذلك من ابتسامته الدائمة التي لا تفارقه حتى في أحلك الظروف في وجه كل من يلتقيه، والتي تمثل شعوره الداخلي بالرضا لما يقوم به ويؤديه من أعمال جليلة للوطن والمواطن ومحبته للجميع، كما يبادله الناس هذا الشعور بالمحبة؛ إذ لا تخلو مجالسه سواء في قصره أو مكتبه بالديوان الملكي أو مكتبه في وزارة الدفاع والطيران وأثناء جولاته التفقدية في المناطق من المواطنين وأصحاب الحاجات، رغم مشاغله ومهامه ومسؤولياته الكبيرة. وقد استطاع الأمير سلطان بن عبدالعزيز أن يغير مجرى حياة الكثيرين من المواطنين والمواطنات، ويضع حداً لمن فقد الأمل في إنهاء معاناته بسبب ضائقة مالية أو عدم وجود مساكن لهم أو عدم قدرتهم على علاج أمراضهم وغيرها من المطالب، حتى أنك لا تستغرب ترديد الزائرين له عبارة: (نحن متوجهون إلى سلطان الخير)؛ لقناعتهم بأنه صاحب أياد بيضاء لكل من يطرق باب. وقد عُرف عنه حرصه على عدم رفض أي طلب لمواطن متى ما ثبت له مصداقية ووجاهة هذا الطلب. ومثلما يفعل الأمير سلطان الخير لأهل بلده فله أيضاً مبادرات إنسانية تعدت حدود الوطن، ولعل قصة المرأة النيجيرية المسنة أكبر دليل على ذلك؛ فحينما رآها من خلال شاشة التلفزيون وهي تلملم قوت النمل لإطعام نفسها، استنفر هذا المشهد نخوته وشهامته؛ فأصدر أمره بتكون فريق كلّفه بالبحث عن هذه المرأة حتى تم الاهتداء إليها؛ فأكرمها (سلطان الخير) هي وأبناء قريتها..!
دعاء أصحاب الحاجات له
وأقولها بكل صدق: إن فضل الله عز وجل ومنّه بالشفاء على الأمير سلطان لأن أعماله وأفعاله الخيّرة كانت خالصة لوجه الله تعالى، وهو بعض الشكر الواجب عليه تجاه نعمة ربه، كما كانت نيته وخصاله طيبة مع المعوزين وأصحاب الحاجات الذين يلهجون بالدعاء والامتنان للعلي القدير أن هيّأ لهم مثل الأمير سلطان لفك كربتهم، مع أن الصورة التي ارتبطت في أذهان الناس عن وزراء الدفاع في كثير من دول العالم أنهم أكثر تجهماً وشدة وصرامة، إلا أن الأمير سلطان كان من طراز آخر؛ فقد أقرّ له كل من عرفه والتقاه وتعامل معه بالبساطة والتواضع وبشاشة المحيا وفعل الخير والخصال الحميدة والإيجابيات التي صنعتها يداه أو دفع بها من خلال فكره النيّر.. وقد تردد أن الأمير سلطان خصص وقته للعمل الرسمي ولقاء المواطنين وأصحاب الحاجات؛ حيث لا يخلد للراحة والنوم أكثر من 3 ساعات يومياً. وعندما أتحدث عن جزء بسيط لجوانب إنسانية في شخصية الأمير سلطان الفريدة فلأنني - وبصدق - عاجز عن الإلمام بكل شيء عن الدور الإنساني للأمير سلطان؛ كونه موسوعة زاخرة بأعمال الخير، ومهما بلغ عدد الصفحات فلن أكون قادراً على التوثيق الكامل والدقيق لرجل بحجم الأمير سلطان، وهو الذي نذر نفسه لكل الأعمال الإيجابية التي عادت بالخير على وطنه ومواطنيه.
رحلة عمر مع المسؤوليات الوطنية
ويمكن القول إن لشخصية الأمير سلطان بن عبدالعزيز مكانتها ودورها السياسي والإنساني والعالمي، كما لها ميزاتها وعطاءاتها ومنجزاتها الوطنية في كافة المهام التي أوكلت إليه؛ فلقد توسم فيه والده المؤسس الملك عبدالعزيز - رحمه الله - الفطنة والفراسة والذكاء والحكمة منذ صغره؛ فولاه ثقته بتعيينه وعمره 16 عاماً أميراً على الرياض في 22 فبراير 1947م، وكانت مشكلة توفير المياه لأهل الرياض أكبر تحدٍّ واجهه الأمير سلطان في هذا المنصب؛ فعمل على جلب المياه من وادي الباطن ووادي لبنى بعد استيراد آلات الحفر الارتوازية، كما حرص على تطوير المدينة وإعادة الهيكلة الإدارية برغم ضآلة الواردات وضعف الميزانية، وكان أبرز ما أنجز في عهده فتح شارعين كبيرين بعرض 16 متراً؛ لتسهيل حركة مرور السيارات، يبتدئ أحدهما من بوابة الثميري شرقاً وينتهي باتجاه الغرب، والثاني يبدأ من بوابة سلام القديمة جنوباً وينتهي إلى قصور الأمراء فالقصر الملكي بمحلة الفوطة شمالاً، وبلغت كلفة تنفيذ هذين الشارعين ما يزيد على 12 مليون ريال شاملة السفلتة وتعويض أصحاب العقارات المنزوعة ملكيتها لمصلحة المشروعين، كما أشرف الأمير سلطان على إنشاء شركة الكهرباء ومحطة القطار ووحدة للمطافئ وسفلتة الطريق الرابط بين مطار الرياض والقصر الملكي بتكلفة قدرها 735.360 ريالاً، وتعبيد وسفلتة 24 كيلومتراً من طرق الرياض - الخرج بتكلفة 479.160 ريالاً، وفتح شارع بين بوابة القرى وبوابة الثميري الذي خصص للمارة والجمالة؛ لتخفيف الازدحام على شارع الثميري.
وفي 24 ديسمبر 1953م عُيّن الأمير سلطان بن عبدالعزيز وزيراً للزراعة، وكانت أبرز اهتماماته عند توليه هذا المنصب استصلاح الأراضي الواسعة التي لا تنقصها الخصوبة لتوسيع رقعة الأراضي المزروعة والنهوض بالمستوى الزراعي العام، فوجّه بإنشاء مشروع حرض الزراعي الذي صُمّم لإعادة توطين بعض قبائل البدو الرحل ومساعدتهم في إقامة مزارع حديثة، ويُعدّ هذا المشروع أحد التوجهات الأساسية للدولة في خطواتها التطويرية نحو التنمية. وفي عهده استُوردت الآلات ومضخات الري الحديثة، وجرى توزيعها على المزارعين بدفع ثمنها بالتقسيط، ثم عادت الدولة فأعفتهم مما تبقى من أقساط لتشجيعهم وتخفيف الأعباء عليهم، كما جرى الاهتمام بإنشاء السدود وإصلاح العيون الطامرة ونشر الثقافة الزراعية وإمداد المزارعين بالقروض والأسمدة والبذور ومكافحة الآفات الزراعية.
وفي 5 نوفمبر 1955م تم تعيين الأمير سلطان بن عبدالعزيز وزيراً للمواصلات، ومن أهم المشرعات التي أشرف على تنفيذها بنفسه طريق جبل كرا بطول 67 كيلومتراً، ويبدأ من (عرفات - كرا - الهدا - الطائف)، وهو المشروع الذي طلب الملك فيصل بن عبدالعزيز - رحمه الله - دراسته والتخطيط لتنفيذه. ويذكر الأمير سلطان بن عبدالعزيز عن تلك الفترة أن (مجلس الوزراء انقسم بين مؤيد ومعارض لإنشاء هذا الطريق الجبلي حتى تساوت الأصوات، فصوّت الملك فيصل بصفته رئيساً لمجلس الوزراء لصالح إنشاء الطريق، وكانت المرة الأولى التي يتدخل فيها رئيس الوزراء للإدلاء بصوته مرجحاً الجانب المؤيد لتنفيذ الطريق عبر قمة كرا). وقد قام الأمير سلطان بنفسه بمعاينة هذا الطريق مشياً على الأقدام وبصحبته المقاول محمد بن عوض بن لادن الذي تولى تنفيذه خلال 18 شهراً بتكلفة (49.059.150) ريالاً. كما ساهم الأمير سلطان خلال توليه هذا المنصب في إدخال شبكات المواصلات البرية الحديثة والاتصالات السلكية واللاسلكية وطريق سكة الحديد بين الرياض والدمام.
وفي 21 أكتوبر 1962م عُيّن الأمير سلطان وزيراً للدفاع والطيران ومفتشاً عاماً، وشكّل تعيينه أهم مرحلة في تاريخ القوات المسلحة السعودية؛ حيث شهدت في عهده هذه القوات بفروعها الأربعة: البرية والجوية والبحرية والدفاع الجوي، قفزات قياسية تطويرية بتبني استراتيجيات عسكرية ضخمة ركّزت على تطوير وتحديث أسلحة هذه القوات تقنياً وعسكرياً، وتأهيل الكوادر البشرية، وتوسيع إنشاء الكليات والمعاهد والمراكز المتخصصة، وإرسال البعثات العسكرية، وبناء المدن والقوات والمستشفيات والصناعات العسكرية.
مهندس التطوير والتحديث
ويجمع المراقبون العسكريون على أن الأمير سلطان بن عبدالعزيز هو مهندس تطوير وتحديث القوات المسلحة؛ فمنذ أن تسلّم مهام ومسؤوليات وزارة الدفاع والطيران، وعلى مدى 47 عاماً حتى الآن على توليه لهذا المنصب، شهدت فيه هذه القوات عصرها الذهبي؛ حيث جعل من إعداد وتطور وتأهيل العنصر البشري هدفاً أساسياً في كل مشاريع القوات المسلحة، كما لم يغب عن باله أن الطيران هو القطاع الأهم في كل قوة عسكرية؛ فهو الذي يحمي سماء الأوطان ويحسم المعارك.. وقد طالت مشاريع التطوير هذا القطاع بتأمين أحدث الطائرات المقاتلة الهجومية والدفاعية، وتنويع مصادر الحصول عليها، وإعداد وتأهيل الطيارين والفنيين.
وقد استحق الأمير سلطان عن جدارة أن يكون عميد وزراء الدفاع في العالم. وفي 13 يونيو 1982م تم تعيين الأمير سلطان إضافة إلى منصبه نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء.
وفي أغسطس 2005م عُيّن ولياً للعهد ونائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للدفاع والطيران والمفتش العام.
وقد أثبت الأمير سلطان طوال ستة عقود في خدمة الوطن - ولا يزال - أنه رجل دولة من طراز نادر اكتسب حنكة ودراية تجلت من خلال المهام والمسؤوليات التي تولاها منذ سن مبكرة.
والحديث بتوسع عن مسيرة حياة الأمير سلطان وإنجازاته الحافلة في خدمة الوطن والمواطن يحتاج إلى موسوعة شاملة لهذه الشخصية التي تجسّدت فيها الإنسانية بكل معانيها، وهذا يحتاج إلى باحثين ومتخصصين من المنصفين.