ارتبطت قضايا البيئة بالتنمية الوطنية ارتباطاً وثيقاً في فكر وإنجازات سلطان بن عبدالعزيز، ذلك لأنه أدرك منذ باكر حياته - بعد تعيينه أول وزير للزراعة - أن التنمية تعتمد على موارد البيئة، وأن استنزاف الموارد البيئية التي تشكل الرأسمال الطبيعي الذي تعتمد عليه عملية التنمية سوف يؤثر بلاشك على كل النواحي الاقتصادية والتنموية لحياة الإنسان ورغبته في التطور والرقي والازدهار ولهذا يسرنا في الجزيرة أن نستعرض لأهم تلك الجهود وذلك بمناسبة العودة الميمونة لسمو ولي العهد إلى أرض الوطن سالماً معافى، حيث سيشهد التاريخ أن جهود الأمير سلطان بن عبدالعزيز ورعايته لأنشطة المحافظة على البيئة والحياة الفطرية نقلت بلاده إلى مصاف الدول الرائدة في هذا المجال وأصبحت التجربة السعودية على يده نموذجاً حياً يشار إليه عالمياً بالإعجاب والتقدير.
ولدور الأمير سلطان بن عبدالعزيز البارز في حماية البيئة وتنمية الثروات الطبيعية والحياة الفطرية تم اختياره في عام 1410هـ ليكون رئيساً للجنة الوزارة للبيئة التي تم تشكيلها والتي تضم في عضويتها عدداً من أصحاب المعالي الوزراء ذوي العلاقة بقضايا البيئة لتكون أعلى سلطة على مستوى المملكة، لها كافة صلاحيات العمل في المواضيع البيئية ووضع الاستراتيجيات والسياسات البيئية الوطنية وشرح وجهة نظر المملكة إزاء القضايا البيئية على المستويين الإقليمي والدولي.
وعدَّ الأمير سلطان بن عبدالعزيز الحفاظ على البيئة أحد شواغله الأساسية، بل جعل من حماية البيئة واجباً دينياً ووطنياً، وقد تمثل ذلك في مبادراته الحضارية من أجل حماية الكائنات الحية والمهددة بالانقراض وتنمية الثروات الطبيعية، وفي هذا يقول سموه: (ليس بعجيب أو بغريب أن نهتم بالبيئة في حاضرنا، فهو دلالة على تطوير وتحديث مسيرتنا الحضارية من منطلق مسؤوليتنا الدينية والوطنية والتراث الممتد عبر الأجيال).
اهتمامه المبكر بالبيئة:
تعود اهتمامات سلطان بن عبدالعزيز المبكرة بالبيئة إلى الفترة التي عُيّن فيها وزيراً للزراعة (1373 - 1375هـ، الموافق 1953م - 1955م) حيث كان حرصه كبيراً على تطوير الموارد الطبيعية، والمحافظة على الغابات وتنمية المراعي واستصلاح الأراضي وتوزيعها على الأفراد والشركات والهيئات لاستثمارها ليعود نفعها على المواطنين، ووضع الخطط لتحسين المراعي لتنمية الثروة الحيوانية، ورفع سموه في شهر ربيع الثاني 1373هـ للمقام السامي لإصدار أمر ملكي بشأن الأحمية العامة يقضي بالسماح للرعاة بالرعي فيها وبلغ الأمر إلى إمارة الطائف برقم 2226 في 30-4-1373هـ. وحظيت الموارد الطبيعية من تربة ومياه وأراض وغابات ومراع باهتمام وزارته ورعايتها وذلك لأهمية هذه الموارد في تحقيق تنمية قابلة للاستمرار، ووضعت الدولة العديد من الخطط والبرامج والسياسات والدراسات الهادفة إلى تنمية هذه الموارد واستثمارها والمحافظة عليها من التدهور بما في ذلك وضع التشريعات والنظم المتعلقة بأساليب تطويرها وصيانتها، ومن تلك البرامج برنامج توزيع الأراضي البور الصالحة للزراعة، وبرنامج تحسين المراعي، وبرنامج تطوير وتحسين الغابات، ومشروعات الحد من زحف الرمال وبرامج تصنيف الأراضي ذات القدرة الإنتاجية والقابلة للاستثمار الزراعي وغيرها من الخطط والبرامج.
وقد نفذت وزارة الزراعة في عهد الأمير سلطان العديد من المشروعات الهادفة إلى تنمية المراعي والغابات والمحافظة عليها، فأصدرت النظم والتشريعات لتقنين واستغلال المراعي والغابات وإجراء مسح ميداني لمعرفة المساحة التقريبية لهما وأنواع الشجيرات وكثافتها، كما عملت على تشجير العديد من المواقع من أراضي الغابات المتدهورة في مختلف مناطق المملكة، بالإضافة إلى عمل المسيجات لحماية أراضي الغابات المشجرة والمنتزهات بهدف حمايتها وتطويرها.
أما المراعي فقد قامت وزارة الأمير سلطان آنذاك بتسويرها بسياجات بهدف حمايتها، وعمل عقوم للمراعي لتستفيد من مياه الأمطار إلى جانب إنشاء المشاتل لإنتاج الأشجار والنباتات الدعوية. وكثفت الوزارة جهودها - بتوجيهات سمو الأمير سلطان - لمعالجة قضية التصحر وتدهور المراعي الناجم عن بعض الممارسات الخاطئة كالرعي الجائر والاحتطاب غير المنظم، ومن هنا برزت أهمية الأشجار ودورها في مجال حماية البيئة والمحافظة عليها، إذ تلعب الأشجار دوراً مهماً في تثبيت التربة وخاصة في المناطق الرعوية وعدم تفككها وانتقالها بفعل عوامل التعرية، والحد من انتقال التربة وزحف الرمال إلى المناطق الزراعية والطرق البرية والمناطق العمرانية، بالإضافة إلى دور الأشجار في الحد من انجراف التربة في المناطق الجبلية والغابية، والحد من السيول الجارفة، هذا إلى جانب دور الأشجار في زيادة خصوبة التربة وتوفير الظل والحطب عند الحاجة، وصناعة الأدوية، وامتصاص الغازات والأبخرة السامة المنبعثة من المصانع وعوادم السيارات، وكذلك توفير الأكسيجين اللازم لحياة الإنسان والكائنات الحية الأخرى.
وقد لفت اهتمام الأمير سلطان المبكر بالبيئة نظر الجهات المعنية في الدولة للاهتمام بمسألة المحافظة على الغطاء النباتي، وإصدار الأنظمة الخاصة بحماية البيئة الصالحة للمراعي والزراعة والغابات، والعمل على زيادة المساحات الخضراء واستزراع المزيد من الأشجار، حيث أقيمت العديد من الأحزمة الخضراء حول المدن كما هو الحال في المنطقة الشرقية وحائل والمناطق الشمالية، كما أقيمت العديد من المنتزهات الوطنية كوسيلة أخرى من وسائل المحافظة على الغطاء النباتي في المملكة، إضافة إلى القيام بحملات التوعية بأهمية الأشجار وضرورة المحافظة عليها، تم خلالها استزراع المزيد من الأشجار، وكذلك وقف الاتجار ببعض أنواع الحطب وخاصة الغضا والذي هو من النباتات الرملية التي تنمو في المناطق الرملية ويكتسب أهمية خاصة في تثبيت الكثبان الرملية، ولا شك أن تلك الجهود سيكون لها ثمارها في زيادة الغطاء النباتي وإعادة التوازن البيئي للمناطق المتدهورة والأهم من ذلك الحد من تفاقم التصحر وتدهور المراعي.
وقد أثمرت هذه الجهود التي وضع غراسها سلطان بن عبدالعزيز ظهور العديد من المنتزهات الوطنية في أنحاء المملكة من خلال الاهتمام المطرد من قبل الدولة بتنمية الموارد الطبيعية وحماية البيئة، وقد بدأت منظومة المنتزهات الوطنية في المملكة بإنشاء منتزه عسير الوطني كأول وأكبر محمية طبيعية في المملكة، تبلغ مساحته نحو (450) ألف هكتار وهو يضم المنتزهات التالية: (منتزه السودة، منتزه دلغان، منتزه القرعاء، منتزه الهضبة، مركز الزوار، منتزه طور المسقى). ويعد منتزه الأمير سلطان بن عبدالعزيز الذي نفذ على نفقة سموه على مساحة تقدر بنحو 268 هكتارا من أهم المنتزهات الناجحة من حيث مواصفاتها البيئية، وتغطي أشجار العرعر والطلح الكثيفة والعديد من الشجيرات الخضراء، مساحاته الواسعة وتم تجهيزه بكافة الخدمات المريحة لمرتاديه.
فلا عجب أن يستمر اهتمام الأمير سلطان بن عبدالعزيز بقضايا البيئة والحياة الفطرية عبر مراحل حياته، لا تثنيه مسؤولياته المتعددة في الدولة عن هذا الاهتمام، فابتداء من سنة 1373هـ عندما كان وزيرا للزراعة وتبنيه مشروع توطين البادية وإدارة الغابات والمراعي مرورا بترؤسه اللجنة الوزارية للبيئة ثم رئاسته لمجلس إدارة الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإشرافه على عمل الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة بوزارة الدفاع وهو يعمل ويعطي ويتابع - بلا كلل - كل ما يتصل بالمحافظة على البيئة الصحية لهذا الوطن.
إنجازاته في الهيئة الوطنية:
في غضون سنة 1401هـ (1981م) أصدر الملك خالد بن عبدالعزيز - رحمه الله - أمره بإعادة تشكيل مصلحة الإرشاد وحماية البيئة برئاسة الأمير سلطان بن عبدالعزيز لتكون الجهاز المركزي المسؤول عن حماية البيئة في المملكة والمحافظة عليها. وتمشيا مع سياسة المحافظة على الثروات الطبيعية في المملكة وبتطويرها أصدر الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - أمره برقم م- 22 بتاريخ 12-9-1406هـ (1986م) بإنشاء الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها، وتعيين سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز رئيسا لها، وكان من أهم أهدافها:
- وضع الأطر التنظيمية والإدارية واللوائح التي تكفل دعم جهود المحافظة على البيئة الطبيعية والحياة الفطرية في المملكة.
- إنماء الأنواع النباتية والحيوانية النادرة والمهددة بخطر الانقراض.
- القيام بأبحاث علمية وحقلية مكثفة في مجالات حماية الحياة الفطرية وإنمائها في بيئات المملكة المختلفة.
- العمل على ترشيد الموارد الفطرية المتجددة ومنع استنزافها وتشجيع جميع الممارسات التي من شأنها أن تؤدي إلى الحد من تلوث البيئة الطبيعية ومنع تدهورها عن طريق تطبيق أسس التنمية الاقتصادية المستدامة بيئيا.
- بناء الكفاءات البشرية الوطنية المتخصصة القادرة على اختيار المناطق المناسبة لحماية البيئة وإدارتها.
- العمل على رفع مستوى الوعي البيئي لدى المواطنين والمقيمين ومساعدتهم على بناء سلوكيات مصادقة للبيئة واستشعار المسؤولية في حماية البيئة الطبيعية والموارد الفطرية في المملكة.
وحقق الأمير سلطان نجاحات كبيرة برئاسته لمجلس إدارة الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها واستطاعت الهيئة أن تضع خطة وطنية متكاملة لمنظومة من المناطق البرية والبحرية المقترح حمايتها، وهي تعادل في مجموعها نحو 8% من مساحة المملكة، منها 15 منطقة محمية أُعلنت كمحميات طبيعية يشملها نظام المناطق المحمية للحياة الفطرية الذي يحدد ضوابط صيد الطيور والحيوانات البرية والاتجار في الكائنات الفطرية المهددة بالانقراض ومنتجاتها وحماية الغابات والمراعي ونظام صيد واستثمار وحماية الثروات المائية الحية.
اهتمامه بقوانين حماية البيئة
هكذا استطاع الأمير سلطان من خلال رئاسته مجلس إدارة الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها أن يحقق نجاحا كبيرا في الحفاظ على كثير من مكونات الحياة الفطرية، وحال دون انقراضها، بفضل برنامج علمي دقيق، وفق خطة طموحة، تكللت - بفضل الله وتوفيقه - بأفضل النتائج في هذا الميدان على المستوى العالمي. وأعطى سموه قضية المحافظة على البيئة كثيرا من اهتمامه، ولم تمنعه مسؤولياته من متابعة دقائق العمل في مجال البيئة، وحرص على رعاية مناسبات الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية، وإنمائها، ودفع العمل في إقامة المحميات المختلفة التي تحمي الثروة البيئية للبلاد، وتسهم في تنميتها. ومما تحقق في هذا المجال: إقامة خمس عشرة منطقة محمية تغطي نحو 4% من المساحة الكلية للمملكة، وما يوازي نصف المساحة المستهدف حمايتها، وفقا لمعايير الاتحاد الدولي للمحافظة. بل هناك ثلاثة مراكز متطورة تقوم بإمداد هذه المناطق، وغيرها، بالأحياء الفطرية النباتية، والحيوانية، التي يتم إكثارها تحت الأسر. وأسهمت تلك المراكز في استعادة كثير من أشكال الحياة الفطرية العربية، التي كانت قد انقرضت تماما من بيئتها الطبيعية، ويأتي في مقدمتها المها العربية، والغزلان العربية، والحباري، والنعام، والوعول، وكثير من النباتات، والأشجار البرية النادرة، مثل: اللبخ، والآثاب، وغابات العرعر.
وقد دعم سموه البحوث البيئية العلمية بشتى الوسائل، ووجه بدراسة المشكلات البيئية، ووضع الحلول المناسبة لها، ومن تلك البحوث؛ دراسة مشكلة أشجار البرسوبس، بعد أن تباينت الآراء حولها، ومشكلة تلوث الخليج، وقد تمكن الفريق العامل بفضل الله، ثم بدعم سموه ومتابعته، من إنقاذ البيئة الفطرية للخليج، وشعابها المرجانية، ونظمها البيئية، بعدما تعرضت له من كوارث بسبب الغزو العراقي للكويت. وقد وجه سموه بإنشاء أول محمية للحياة الفطرية في الخليج العربي؛ لتكون نموذجا يحتذى به من الدول الخليجية كافة، كما اعتنى بموضوع منطقة الصمان السعودي ومختلف المناطق البرية التي تتعرض للتلوث من المتنزهين، ووجه بتشكيل فرق عمل لوضع الحلول المناسبة لمثل هذه المشكلات. واستمرارا لهذا الاهتمام، أنشأ الأمير سلطان صندوقا لدعم الحياة الفطرية للارتقاء بمستوى الوعي، وإشراك المواطنين في البحث عن حلول للقضايا البيئية.
ومن هذا المنطلق اهتم الأمير سلطان بالتشريعات والأنظمة الهادفة لحماية البيئة والحياة الفطرية، وهي من رسالة الإسلام، فقد سبق الإسلام كل الأمم الحديثة في التزام نظافة البيئة وصحتها، وترشيد استخدام مواردها الطبيعية، بوصف الإنسان خليفة الله في الأرض، ومن هذا المنطلق، وبتوجيهات من سموه، تمت دراسة كثير من مشروعات الأنظمة والقوانين الخاصة بالمحافظة على البيئة، والحياة الفطرية، ومن ثم رفعها للمقام السامي الكريم للنظر فيها، والموافقة عليها، ومن أبرز تلك الأنظمة؛ نظام الصيد ولائحته التنفيذية، ونظام المناطق المحمية، والنظام العام للبيئة، ونام الغابات والمراعي، ونظام صيد واستثمار الثروات المحمية، ونظام الاتجار في الأحياء الفطرية. ولم يتوقف سموه أبدا عن متابعة كل ما يستجد، وله علاقة بالبيئة والحياة الفطرية.
وهكذا كان الأمير سلطان بن عبدالعزيز - ولا يزال - قوة دافعة ومحركا داعما لقضايا الاهتمام بالبيئة في شتى الميادين، فلم يترك أمرا من أمورها دون أن يهتم به ويوجه بدراسة مشكلاته وطرح الحلول المناسبة له، فكما تحقق على يديه إعلان ست عشرة منطقة محمية تعطي نماذج متنوعة من النظم البيئية في المملكة، صدرت بتأييد منه قرارات من مجلس الوزراء باستكمال المنظومة الوطنية للمناطق المحمية، وتنميتها، فكان أن تمكنت المملكة من وراء هذه الجهود من إعادة توطين أربعة أنواع سعودية كانت مهددة بالانقراض منها؛ المها العربية والنعام والغزال العربي والنمور العربية. وكانت باكورة الإطلاق الأولى على يد سموه في محازة الصيد في محمية عروق بني معارض سنة 1410هـ ثم توالت بعد ذلك إطلاقاته.
ثم تعامل الأمير سلطان بن عبدالعزيز مع قضية ترشيد الاحتطاب بحكمة من خلال وقف إصدار تصاريح الاحتطاب، ومنع نقل الحطب بين المدن، ومنع الاحتطاب الأرضي مدة عشر سنوات، ثم رفع الرسوم الجمركية عن الفحم والحطب المستورد؛ وذلك بغرض الحفاظ على الثروات الطبيعية الفطرية للوطن واستغلالها بأسلوب مرشد، يبقي عليها للأجيال المقبلة، ويضمن - بإذن الله - استمراريتها وتجددها.
وفي قضية أشجار الرسوبس، وقضية حرائق الغابات، وجه سموه الكريم بعدم التسرع في اتخاذ قرارات من دون دراسة القضية، وشكل لذلك لجانا علمية من خبراء ومتخصصين من عدة جهات؛ لدراسة مثل هذه القضايا، واتخاذ قرارات حاسمة، مبنية على أسس علمية وعملية.
كما استطاعت الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية بتوجيهات سمو الأمير سلطان من إعادة تأهيل مجموعات أشجار اللبخ العملاقة، وإنقاذها في جنوب غرب المملكة، كما تمت دراسة ظاهرة الموت القمي لأشجار العرعر واقتراح الحلول الملائمة، فتمت إقامة عدد من المشاتل في محمية جرف ريدة، وتم غرسها في الأماكن الشديدة التأثر، كما تم القيام بتجارب للتخلص من الفروع الجافة، وذلك لاستعادة الحيوية للأشجار.
وفي البحر الأحمر، والخليج العربي، قامت الهيئة، بالتعاون مع عدد من الجهات والهيئات الحكومية، بإعادة تأهيل غابات المانجروف، تلك الأشجار البحرية، ذات الأهمية البيئية والاقتصادية، والمهددة في الوقت نفسه بالتدهور، إلى جانب المشاركة في كثير من مشروعات التشجير، وكان لتوجيهات سموه الأثر الطيب في إيجاد شراكة فعّالة بين وزارة الدفاع والطيران والهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها، من خلال دعم الوزارة المثمر في المساعدة على إجراء المسوحات الأرضية والجوية، وإقامة المعسكرات، وتزويد الهيئة بعدد من المعدات الثقيلة، بل إن الوزارة قامت بإطلاق مجموعات من الأحياء الفطرية في عدد من شبوكها بالقواعد المختلفة، إسهاما منها في الحفاظ على تلك الكائنات وتنوعها الإحيائي.
صندوق الأمير سلطان للمحافظة على الصقور
أسس سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز صندوقا خاصة بدعم كريم منه يهدف للمحافظة على الصقور من خلال إعادة إطلاقها في مواطنها الطبيعية، ودعم المجموعات المتكاثرة في مناطق انتشارها وزيادة التنوع الجيني والوراثي، ودعم الدراسات والأبحاث الخاصة بهذه الطيور، ولا يزال المشروع مستمرا منذ سنة 1425هـ.
دور الأمير سلطان الرائد في التوعية البيئية
أدرك سمو الأمير سلطان بثاقب بصره وحسه المرهف أن جهود الحفاظ على البيئة والحياة الفطرية قد لا يكتب لها النجاح المنشود دون مشاركة من المواطنين، ولا يتحقق هذا دون نشر الوعي البيئي، فقد رعى سموه إقامة أول مسابقة يجري تنظيمها على مستوى المملكة لخدمة البيئية تحت مسمى مسابقة الأمير سلطان بن عبدالعزيز لخدمة البيئة لتعطي الفرصة كاملة لكافة القطاعات الحكومية والأهلية والمواطنين للمساهمة العملية من خلال المشاركة في تنظيف بيئة الشعاب المرجانية، وتنظيف البيئة البرية وتنظيف البيئية الشاطئية ومسابقة لأهل الفكر والكتاب والصحافيين للإسهام في تكريس التوعية البيئية، وقد حققت المسابقة في عامها الأول نجاحاً مبهراً في كافة الفروع، كما أن رعايته لمشروع التوعية البيئية السعودية إضافة إلى العديد من الفعاليات العلمية يعد بمثابة النبراس الذي يضيء لجميع العاملين والمهتمين في مجال المحافظة على البيئة والحياة الفطرية طريق النجاح. كما افتتح أول مركز للزوار والتوعية البيئية في مقر الأمانة العامة للهيئة في الرياض عام 1990، والذي استقبل آلاف الزوار منذ افتتاحه مختلف الشرائح.
وامتدت أيضاً رعاية الأمير سلطان لتشمل أنشطة السياحة البيئية من خلال ترؤسه مجلس إدارة الهيئة العليا للسياحة وموافقته على رعاية الندوة الدولية للسياحة البيئية التي تنظمها الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها بالتعاون والتنسيق مع الهيئة العليا للسياحة.
صندوق الأمير سلطان لدعم الحياة الفطرية
وتبنى سمو الأمير سلطان إنشاء صندوق دعم الحياة الفطرية، يضم ما يزيد على مائة عضو من رجال الأعمال والمؤسسات تأكيداً لأهمية المشاركة الوطنية في عمليات التنمية والأخذ بالبعد البيئي في النشاطات الصناعية والاستثمار في المجالات البيئية، وإتاحة الفرص أمام القطاع الخاص للقيام بدوره في هذا الجانب الحيوي المتعلق بالمحافظة على موارد طبيعية وتنميتها وتطويرها وتنفيذ برامج تستهدف كافة شرائح المجتمع لتنمية نشر الوعي البيئي في أوساط المجتمع.
وحققت تلك البرامج نجاحات كبيرة وتكاملا بين الجهد الحكومي وجهود القطاع الخاص، وأسهم القطاع الخاص بمشاريع رائدة في المجال البيئي، إذ ظهرت العديد من المؤسسات الخاصة التي أخذت تعمل في مجال جمع النفايات السائلة والصلبة، وجمع الزيوت المستعملة وتصديرها، وإعادة تدوير النفايات.
ولفت الأمير سلطان رجال الأعمال إلى العديد من الفرص والأنشطة البيئية التي يمكن أن يشارك فيها الجميع بما يعود على البيئة في المملكة بالنفع العميم كالاستثمار في المشاريع الصناعية المتعلقة بتدوير النفايات ومعالجتها وتصنيع الآلات والمعدات التي يتطلبها الإنتاج وفق أسس بيئية سليمة وتأسيس وتوفير خدمات بيئية لكل من القطاع الخاص والحكومي، وضرورة التزام الجميع بإجراءات حماية البيئة خاصة فيما يتعلق بترشيد استخدام المواد الأولية والموارد الطبيعية في الصناعة والحد من إنتاج النفايات وانبعاث الملوثات ودعم أنشطة حماية البيئة التي تقوم بها الجهات المختصة، مؤكداً سموه أهمية التوعية البيئية.
كما سعت الدولة إلى تضمين مناهج الدراسة بكافة مراحلها بالمفاهيم البيئية التي تساعد على فهم البيئة والتوعية بمشكلاتها وسبل مواجهتها، خاصة في ظل تفاقم مهددات البيئة التي أصبحت تمثل تحدياً كبيراً للمجتمعات البشرية، وغدت من أكثر القضايا العالمية إلحاحاً.
ولم تقف مبادرات الأمير سلطان في المحافظة على البيئة على المستوى الرسمي بل تعدتها إلى كثير من الأنشطة الخيرية التي يدعمها شخصياً مادياً ومعنوياً، حيث وجه سموه مؤسسة الأمير سلطان الخيرية بالتعاون مع مركز دراسات الصحراء بجامعة الملك سعود بإعداد وطباعة الصور الفضائية للمملكة ليستفاد منها في الحصول على معلومات عن المظاهر البيئية المتغيرة على سطح الأرض، وبتمويل قدره 4 ملايين ريال.
مركز الأمير سلطان لأبحاث البيئة والمياه والصحراء:
أنشأت المملكة في عام 1406 (1986م) مركزاً متخصصاً للاهتمام بالبيئة الصحراوية الجافة السائدة فيها، بهدف إجراء البحوث العلمية المتعلقة بتنمية الصحراء، ومقاومة التصحر في شبه الجزيرة العربية، وخصوصاً في المملكة العربية السعودية، وحمل المركز (اسم مركز دراسات الصحراء) وتقديراً لجهود الأمير سلطان في دعم أبحاث البيئة والمياه تم بموافقة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - في عام 1420 (2000م) تغيير اسم المركز التابع لجامعة الملك سعود، ليصبح مركز الأمير سلطان لأبحاث البيئة والمياه والصحراء، مما أضاف لأهداف المركز وأنشطته مجالات بحثية أوسع، وأشمل، وأكثر ارتباطاً بالقضايا الحيوية، ومن أهمها أبحاث البيئة بمفهومها الواسع مع التركيز على دراسات المياه والصحراء ويسعى المركز خلال مسيرته العلمية والبحثية إلى تحقيق الأهداف الآتية:
- دعم البحوث العلمية التي تجريها الجهات المتخصصة بالجامعة، والتي تتعلق بالبيئة والمياه والصحراء.
- التنسيق والتعاون مع الجهات المعنية داخل الجامعة، وخارجها، في الدراسات والأبحاث والأنشطة المتعلقة بالبيئة والمياه والصحراء.
- تجميع المعلومات التي تتعلق بالبيئة والمياه، والصحراء، وتوثيقها، وعرضها بصورة تطبيقية صالحة للاستخدام المباشر.
- استخدام التقنيات الحديثة، وخاصة الاستشعار عن بعد، ونظم المعلومات الجغرافية في دراسات البيئة الصحراوية، وأبحاثها.
- تنظيم المؤتمرات، واللقاءات، والندوات، وورش العمل المتعلقة بالبيئة، والمياه، والصحراء.
- إعداد دورات تدريبية لتأهيل بعض الكفاءات في المجالات المختلفة المتعلقة بدراسة البيئة والمياه والصحراء، وتقنيات الاستشعار عن بعد.
- تقديم الاستشارات الفنية، والمساعدة التقنية للباحثين، والطلبة في الجامعة وخارجها.
- النشر العلمي للأبحاث والموضوعات ذات الصلة بأنشطة المركز البحثية.
- دعم جائزة الأمير سلطان بن عبدالعزيز العالمية للمياه، وتطويرها من خلال كون المركز مقراً للأمانة العامة للجائزة.
وقد صدر عن المركز كثير من المؤلفات العلمية، والنشرات في مجالات اهتمامه المتمثلة في النظم البيئية الصحراوية، والجفاف ومقاومته، والتلوث البيئي، والتوعية والتربية البيئيتين والأثر البيئي للمشروعات، والتغيرات المناخية، والإنذار المبكر للكوارث المناخية، وحفظ التوازن البيئي، والسياحة البيئية، وتدهور الأراضي، والتصحر، ومقاومته، وتثبيت الكثبان الرملية، والموارد الطبيعية في الصحراء وتنميتها وحمايتها، والغابات والتشجير، والمراعي الطبيعية، وإدارتها، وصيانتها، والمحاصيل العلفية، وأقلمة النباتات، والحيوانات المستوردة في ظروف الصحراء، وحصر النباتات البرية المحلية، وتقويمها، والاستفادة من حيوانات الصحراء، وبصورة خاصة الجمال، والتحسين الوراثي للنباتات، والحيوانات المحلية، وحماية الأصول الوراثية الفطرية، والمحافظة على الحياة والتنوع الحيوي، وأراضي المناطق الجافة (تربية ورمال) واستطلاع الأراضي بالصحراء، واستزراعها، والزراعة التقليدية، والتنمية المستديمة في المملكة، وتطوير أشجار النخيل، والعناية بشؤونها، والموارد المائية، وأساليب توفير المياه، وتقليل ندرتها، وتطوير تقنياتها، وأنظمة الري المختلفة، وإدارة الموارد المائية، وبخاصة حصر مياه الأمطار، وتخزينها، والسياسات المائية؛ لتحقيق الأمن المائي، وترشيد المياه، والطرائق الاقتصادية في استعمالات المياه للأغراض الزراعية، واستخدام المياه المالحة، ومياه البحار في الزراعة واقتصادياتها، واستخدام التقنيات الحديثة في الدراسات، والأبحاث، وخاصة تقنيات الاستشعار عن بعد، ونظم المعلومات الجغرافية، والطاقة الشمسية، واستخدامها في المجالات الزراعية، وتنمية الصحراء، والحياة الاجتماعية في الصحراء، والدراسات الاقتصادية المتعلقة بأنماط الاستغلال، والإنتاج الزراعي بالصحراء.
ريادة الأمير سلطان للأطلس الفضائي:
اقترح سمو الأمير سلطان هذا المشروع ودعمه ورعى تنفيذه لصالح مؤسسة سلطان بن عبدالعزيز الخيرية، وتولى مركز الأمير سلطان لأبحاث البيئة والمياه والصحراء بجامعة الملك سعود تصميم المشروع، وإدارته، والمساهمة الفعالة في تنفيذه بالتعاون مع معهد البحوث بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، بالإضافة إلى مشاركة خبراء، وباحثين متخصصين من جامعة الملك سعود، والإدارة العامة للمساحة العسكرية، وجهات متخصصة أخرى.
ويأتي هذا المشروع تمشياً مع تطورات التقنية الحديثة، وتأكيداً على استخدامها في مجال دراسات البيئة ومواردها الطبيعية، إذ ساهم التطور المتسارع في تقنيات الاستشعار عن بعد، وبخاصة نظم دراسة مظاهر سطح الأرض بواسطة الأقمار الصناعية، في تزايد عدد المشروعات والأبحاث التي يتم تنفيذها باستخدام هذه التقنيات، وخصوصاً في مجال دراسة المعالم الأرضية؛ لما تقدمه من مزايا مهمة تتعلق بالكفاءة العالية في كشف هذه المعالم، وتوزيعها، وبيان حالتها، إضافة إلى توفير الوقت والجهد والتكاليف وإمكانية دراسة مواقع تصعب دراستها بالطرائق التقليدية، إذ توفر الأقمار الصناعية الصور والمعلومات اللازمة لدراسة البيئة والموارد الطبيعية لمناطق واسعة في وقت قصير، وعلى مستوى إقليمي وبصفة دورية.
وتبرز أهمية أطلس الصور الفضائية للمملكة العربية السعودية، لكونه الأول من نوعه في المملكة، وقد جرى تصميمه، ليضم الصور الفضائية لأهم الأقمار الصناعية، وخصوصاً القمر الصناعي الأمريكي لاند سات، الذي يغطي كل أراضي المملكة، مع تقديم شرح موجز لما يمكن تفسيره من الصور، وجمعه من معلومات عن المناطق التي تغطيها.
كما تأتي أهمية هذا الأطلس أيضاً؛ لأنه يساعد الباحثين والمختصين، على التعرف من الصور الفضائية بشكل أولى إلى جميع مناطق المملكة وطبيعتها الجغرافية، ونمط استعمالات الأراضي، والامتداد العمراني، وتوزع الموارد الطبيعية فيها. وتمكن هذه المعلومات من الانطلاق في إجراء المزيد من الدراسات، والبحوث العلمية التطبيقية، والتوسع في إجراء دراسات جزئية تفصيلية لاحقة، ويكون بهذا مرجعاً مهماً ونقطة انطلاق في استنباط مشروعات متخصصة، كما يفيد الأطلس في الحصول على معلومات عن المظاهر البيئية المتغيرة على سطح الأرض، مما يسهم في معالجة موضوعات بيئية إقليمية، حيوية مهمة، كحماية البيئة من التلوث، ومقاومة التصحر.
اهتمامه بالتعاون الدولي لحماية البيئة:
ولما كان سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز على وعي بأن البيئة والحياة الفطرية لا تعرف الحدود بين الدول، فقد قامت رؤيته الشاملة على حتمية مد جسور التعاون مع دول الجوار الخليجي والدول العربية والإسلامية وبقية دول العالم من أجل بيئة أفضل، وبناء على ذلك أمر سموه بتزويد عدد من الهيئات العربية بمجموعات من الكائنات الفطرية النادرة التي تم إكثارها في مراكز أبحاث الهيئة في خطوة لإعادة تلك الكائنات إلى بيئتها الطبيعية. وهكذا بادر سموه إلى إنشاء المؤسسة الدولية لحماية البيئة الفطرية وتنميتها بالمغرب العربي وتمويلها، كما وجه سموه بتزويد سوريا الشقيقة بمجموعة من غزال الريم، والمها العربي، كخطوة رائدة في استعادة الحياة الفطرية لهذه البيئات، التي كانت تنتشر بها من قبل، كما كان لتوجيهات سموه الأثر الطيب في توثيق التعاون بين المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربي الذي أثمر إيجاد مشروعات تعاون مشتركة، للحفاظ على النمر العربي، والحباري، وإكثارهما لدعم الحفاظ عليهما في البيئة الطبيعية.
وساهمت أيضاً هذه التوجهات في إعداد اتفاقيات المحافظة على الحياة الفطرية، وبيئاتها الطبيعية في دول مجلس التعاون وتبنى سموه إيجاد جوائز باسمه تهدف إلى رسم طموحات مستقبلية للمجتمع للتعامل بالجدية الكاملة مع الموارد الطبيعية وحماية البيئة، وبدعم من سمو الأمير سلطان أطلقت الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها في 22 ربيع الأول 1424هـ (26) صقراً حراً في منطقة شارين، في كازاخستان وهو الموطن الأصلي لتكاثر الصقور، وذلك حفاظاً عليها من الانقراض وإتاحة الفرصة لتكاثرها واستكمال دورة حياتها في بيئتها الأصلية.
على المستوى الإقليمي والدولي فإن المملكة تشارك بشكل واسع ممثلة في الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية في الاحتفال بيوم البيئة العالمي الذي أقرته الأمم المتحدة منذ أكثر من 30 عاماً، كما أن للمملكة حضوراً كبيراً ومشاركات متعددة في عدد من الندوات والمؤتمرات المتعلقة بشؤون البيئة، والتي نظمتها الهيئات والمؤسسات والمنظمات الوطنية والإقليمية والدولية ذات العلاقة والاهتمام بتنمية وتطوير الموارد الطبيعية وحماية البيئة.
وهكذا كان دور المملكة العربية السعودية حيوياً ورائداً على المستوى الدولي إذ أبرمت، ووقعت على عدد من الاتفاقيات الدولية في مجال الحفاظ على البيئة، والحياة الفطرية، والعمل على تفعيلها وتطبيقها، ومن هذه الاتفاقيات اتفاقية سايتس لتنظيم الاتجار في الأنواع الفطرية المهددة بالانقراض ومنتجاتها، واتفاقية المحافظة على التنوع الاحيائي أيضاً، واتفاقية مجابهة التصحر، واتفاقية الحفاظ على الأنواع المهاجرة، وتعمل المملكة حالياً على الانضمام إلى اتفاقية رامار للمحافظة على الأراضي الرطبة، بعد أن انتهت من وضع مسودة للاستراتيجية الوطنية للمحافظة على الأراضي الرطبة، إلى جانب كثير من الاتفاقيات ذات العلاقة.
جائزة الأمير سلطان بن عبدالعزيز العالمية للمياه:
انطلقت جائزة الأمير سلطان بن عبدالعزيز العالمية للمياه من وعي سموه العميق بالأزمة العالمية للمياه، وحاجة البشرية هذا النبع الأساسي للحياة فالعالم يعاني من تفاقم مشكلة نقص الموارد المائية الأمر الذي تسبب في انخفاض الكمية المتاحة لاستخدام الفرد بحوالي 60% منذ عام 1950م أي أن استخدام العالم للمياه قد زاد ثلاثة أضعاف خلال النصف الأخير من القرن المنصرم عندما زاد سكان العالم من (2.5) بليون إلى (6) بلايين نسمة وستنخفض الكمية المتاحة بنسبة (33%) خلال الأربعين سنة القادمة حين يرتفع عدد سكان العالم إلى (9) بلايين نسمة أي أنه خلال مئة عام فقط انخفض وسينخفض المتاح للفرد بأكثر من (90%) عن مستواه في 1950م أو بمعنى آخر لن يعود متاحاً للفرد في عام 2050م إلا أقل من (10%) مما كان متاحاً في عام 1950م ومن ناحية أخرى يتضاعف الطلب على المياه كل (35) عاما وإذا كان (40%) من المياه المطلوب توفيرها للزراعة سيأتي من مياه الري كما هو الحال الآن وذلك لسد حاجة (2.4) بليونين وأربعة من عشرة من البليون نسمة من المتوقع إضافتهم لسكان العالم فإن الحاجة ستكون لما يوازي عشرين ضعفا لجريان نهر النيل أو مئة ضعف لجريان نهر كلورادو وهو ما يظهر بجلاء حجم التحدي الذي يواجهه العالم.
وتوزيع المياه بين مناطق العالم لا يتناسب إطلاقاً والكثافة السكانية فبينما تستأثر الأمريكيتان بحوالي (40%) من مياه العالم نجد أن سكانها هم (15%) فقط وفي المقابل تحوي آسيا (60%) من السكان ولا يتجاوز نصيبها (36%) أي نصيب الفرد في قارة آسيا أقل من ربع نصيب نظيره في الأمريكتين وتزداد فجوة المقارنة اتساعاً عندما تضيق الدائرة لتشمل الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا الذي يحوي (6.4%) من سكان العالم بينما يحوي (1.4%) فقط من المصادر المائية أي أن نصيب سكان هذه المنطقة هو ربع متوسط المتاح لقارة آسيا على قلتهم مقارنة بالأمريكيتين، علماً بأن ثلاثة أرباع المتاح من المياه في الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا تستأثر به أربع دول فقط هي: (إيران والعراق وسوريا وتركيا) إضافة إلى ذلك فإن اثنتي عشرة دولة من أكثر من خمس عشرة دولة في العالم شحاً في المياه تقع في الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا.
من الوعي الصادق بهذا الواقع والمستقبل المخيف الذي يهدد مصادر المياه في العالم ولدت جائزة الأمير سلطان العالمية للمياه في 15 شعبان 1423هـ الموافق 21 أكتوبر 2002م وتتصف الجائزة بأنها عالمية، علمية تقديرية دورية تمنح كل سنتين وتهدف إلى تقدير جهود العلماء، والمبدعين، والمؤسسات العلمية والتطبيقية في مجال المياه، وبحوثهم، في شتى أنحاء العالم، على إنجازاتهم المتميزة، التي أسهمت في إيجاد الحلول العلمية الكفيلة، بعون الله، بالوصول إلى توفير المياه الصالحة للاستعمال، والتقليل من ندرتها، والمحافظة على استدامتها وخصوصاً في المناطق الجافة.
وتضم الجائزة خمسة فروع وقيمتها لكل فرع خمسمائة ألف ريال سعودي (نحو 133 ألف دولار أمريكي) ويمولها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز وتقدم تقديراً لكل نتاج فكري أو مادي سواء لأفراد أو مؤسسات، يؤدي إلى تقدم المعرفة البشرية فضلاً عن رفع مستوى الإلمام والتحكم البشري في المجالات الآتية:
- المياه السطحية.
- المياه الجوفية.
- الموارد المائية البديلة (غير التقليدية).
- إدارة الموارد المائية.
- حماية الموارد المائية.
ويتكون مجلس الجائزة من:
- صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز آل سعود رئيساً.
وعضوية كل من:
- معالي وزير المياه والكهرباء.
- معالي مدير جامعة الملك سعود.
- معالي محافظ المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة
- الأمين العام للجائزة.
- ثلاثة خبراء دوليين.
- ثلاثة خبراء محليين.
وتتوافر لدى موقع الجائزة على الإنترنت www.psipww.org معلومات كاملة عن الجائزة وكيفية التقدم للترشيح لنيلها(9).
وقد شهد المؤتمر الدولي الثالث للموارد المائية والبيئة الجافة الذي انعقد في الرياض في نوفمبر 2008م توزيع جائزة الأمير سلطان العالمية للمياه بفروعها الأربعة وفرعها الإبداعي هذه الجائزة التي تأتي لتؤكد اهتمام سموه الكريم بجانب المياه بحثاً وتقنية وإدارة ليس في المملكة فحسب بل في العالم أجمع.
وقال سمو الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز بهذا الشأن في كلمة الافتتاح: (إنه ليوم مشهود، أن نجتمع في عاصمة المملكة في ظل ثلاث مناسبات مائية فها هو المؤتمر الدولي للموارد المائية والبيئة الجافة في دورته الثالثة، والمنتدى العربي الأول الذي ينظمه المجلس العربي للمياه والثالثة توزيع الجوائز على الفائزين بأبحاث جائزة الأمير سلطان بن عبد العزيز العالمية للمياه ثلاث مناسبات تبين أهمية هذه السلعة الاستراتيجية التي منها تبدأ الحياة ومن دونها تنتهي وهي توضح القلق العالمي بل الفزع مما ينتاب مادة الوجود من ندرة وقدر وتلوث وسوء إدارة ثلاث مناسبات تنذر بأننا سنغرق جميعاً ما لم نفطن إلى ما يحدق بنا فالمركب واحد إما النجاة وإما الهلاك).
وعبّر المؤتمر عن تقديره العميق لرعاية سمو الأمير سلطان له التي تشهد بمدى اهتمام سموه بقضايا المياه في العالم وفي الوطن العربي بصفة خاصة ورعايته لعلوم المياه والعلماء وثقته في أن العلم والعمل هما فقط السبيل الوحيد لمواجهة التحديات وتأمين مستقبل هذه المنطقة فكانت جائزة الأمير سلطان بن عبدالعزيز العالمية للمياه التي قدمها سموه الكريم تشجيعاً للبحث العلمي وتكريماً لكل الجهود المخلصة والعقول المبدعة التي شاركت في الحفاظ على الماء في كل أنحاء العالم.
* * * * *
(ليس بغريب أو عجيب أن نهتم بالبيئة في حاضرنا، فذلك دلالة على تطوير وتحديث مسيرتنا الحضارية من منطلق مسؤوليتنا الدينية والوطنية والتراث الممتد عبر الأجيال)..
سلطان بن عبدالعزيز
* * * * *
(إن التوعية البيئية مسؤولية مشتركة تنطوي فيها جهود المؤسسات التربوية والأسرة وأجهزة الإعلام وغيرها من الشخصيات والمؤسسات المؤثرة التي من شأنها تأكيد أهمية البيئة وترسيخ الاهتمام بها، وإن مردودها يعود على الجميع).
سلطان بن عبد العزيز
* * * * *
شهادات عربية وعالمية:
لتعدد نشاطاته واهتماماته في مجال حماية البيئة، نال سمو ولي العهد العديد من الجوائز المحلية والعربية والدولية، ولقب برجل البيئة العربي الأول، وحصل على درع البيئة العربي عام 1996م، كما حصل على جائزة فريد باكاراد الدولية للمحميات الطبيعية والمنتزهات الدولية عام 1992م، وجائزة بنكاسيا الدولية للبيئة من أستراليا، وشهادة تقدير جمعية أصدقاء الأرض الدولية عام 1991م، وشهادة جماعة السلام الأخضر الدولية عام 1991م، وشهادة تقدير من جامعة منيسوتا الأمريكية عام 1992م، وشهادة تقدير من جمعية الحياة البرية الأمريكية عام 1992م، وشهادة تقدير المجلس الدولي لإدارة الحياة عام 1993م، وشهادة تقدير النادي العلمي الكويتي عام 1995م وشهادة تقدير المعهد العربي لإنماء المدن عام 1994م، وشهادة تقدير مجلس وزراء البيئة العرب عام 1997م، وشهادة ماركوس للشخصيات العالمية المتميزة عام 1988م، وشهادة تقدير من معهد سنكن بيرج للبحث العلمي بألمانيا عام 1993م.
وتقديراً لجهود سمو الأمير سلطان في خدمة البيئة تم اختياره من قبل وكالة وتنس الدولية كأحد العشرة رجال العالميين الذين يعملون من أجل المحافظة على بيئة كوكب الأرض، كما اختارته المؤسسة الدولية لحماية البيئة وتنمية الحياة الفطرية في المغرب ليكون رئيساً لمجلس إدارتها.