إن الكلمات لتقف عاجزة عن التعبير بما تجيش به النفوس، ويعتمل في القلوب من المشاعر الجياشة، والأحاسيس الفياضة، المغمورة بالفرح والسرور، والغبطة والحبور، بما تفضل الله به وأنعم، ومنَّ به - سبحانه وتعالى - وأكرم، من شفاء سلطان القلوب، وسلامة محبوب النفوس، صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود، - حفظه الله ورعاه - وعودته سليماً معافى إلى أرض الوطن، لمواصلة عطائه المتدفق، وجهوده المخلصة في خدمة دينه ووطنه، وتنمية بلاده وزيادة رقيها وتطورها.
وإن القلم ليعجز عن تدوين سجايا هذا القائد الفذ، وإن العقل ليقصر عن استقصاء فضائله الجم، وأعماله الجليلة في خدمة الوطن بخاصة، وفي خدمة الإسلام والمسلمين والإنسانية بعامة.
ولا عجب في ذلك إذا استحضرنا أن هذا القائد الفذ ولد، ونشأ وتربى في كنف القائد المحنك، الإمام المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل، الذي كان حريصاً أشد الحرص على تربية أبنائه وأنجاله على المُثل الإسلامية، والقيم الدينية، والمبادئ الأصيلة، والتضلع من العلوم الدينية، والسياسية، كما كان لملازمته لوالده الملك المؤسس أثر عظيم في إكسابه الخبرة العملية، والحنكة السياسية، مع ما حباه الله به من ذكاء وقاد، وفطنة حادة، مما أهله إلى تولي مناصب قيادية في سن مبكرة، فقد أولاه والده الملك عبدالعزيز ثقته، وعينه أميراً لعاصمة الدولة الرياض، ثم عين وزيراً للزراعة، وعضواً بمجلس الوزراء، ثم عين وزيراً للمواصلات، ثم وزيراً للدفاع والطيران في 1962م، ولا يزال في هذا المنصب الحيوي السيادي، ثم صدر أمر ملكي بتعيين سموه الكريم نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء يوم الأحد 13 يونيو عام 1982م، ثم عين سموه الكريم ولياً للعهد، ونائباً لرئيس مجلس الوزراء في 26 جمادى الثانية عام 1426هـ.
وقد كان سموه الكريم في كل مناصبه، وفي كل حياته السياسية والإدارية أنموذجاً للقائد الملهم، ومثالاً للسياسي الماهر، والإداري المبدع. والأمثلة على جهوده الجليلة في خدمة الدولة، وأعماله الإبداعية في ترقية الوطن أكثر من أن تحصى. ويكفي في هذه العجالة أن نشير إلى أن صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز هو مؤسس الجيش السعودي الحديث، وموطد أركانه، ومشيد بنيانه، والحريص على تطويره، ليكون في المستوى اللائق به، وليكون من القوة الضاربة بحيث يستطيع حراسة دولة من أكبر الدول من حيث المساحة، وحماية أقدس المقدسات الإسلامية، وهي بيت الله العتيق، والمسجد الحرام، والمسجد النبوي الشريف، وغير ذلك من المشاعر المقدسة، وليكون قادراً على الذود عن أكبر دولة في العالم مصدرة للنفط، وذلك من خلال إنشاء كليات متخصصة في كل المجالات العسكرية البرية، والجوية، والبحرية، وغير ذلك، وتدريب أبناء الوطن على أعلى مستويات التدريب العالمية، وتسليح الجيش السعودي بأحدث الأسلحة، وأعلى ما توصلت إليه التقنيات الحديثة في المجال العسكري والدفاعي. وقد ظهر ذلك جلياً للعالم أجمع عندما حاولت فئة باغية، وطغمة ظالمة المسّ بأرض الوطن من خلال تسللها من الجهة الجنوبية، ومحاولتها البائسة لزعزعة الأمن والاستقرار في بلاد الحرمين الشريفين، فرأت تلك الفئة الظالمة من شجاعة الجيش السعودي وقوته ما لم يكونوا يتصورونه، وقابلتهم القوات المسلحة بما لا قبل لهم به، فزلزلوا الأرض من تحت أقدامهم، واشعلوا السماء من فوق رؤوسهم، وردوهم أعقابهم خاسرين خاسئين.
ولم يكن صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز غائباً عن تلك الملحمة التي خاضها جنودنا البواسل، بل كان حاضراً فيها، ليس بتوجيهاته وإرشاداته فقط، بل كان حاضراً في أرض المعارك من خلال نجله الأكبر، وتلميذه النجيب صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلطان، القائد العسكري الفذ الذي كان حاضراً بين الجنود قائداً، وموجهاً، ومشاركاً، فالولد صنيعة أبيه، وسر والده.
ولا يستطيع أي باحث في سيرة هذا القائد الفذ سلطان الخير أن يتناول خصائصه وسجاياه دون أن ينساق انسياقاً إلى التعرض للجانب الإنساني والخيري في حياة هذا الرجل العظيم، بل إن هذا الجانب من أحب الجوانب إلى نفس سلطان القلوب، وأقربها إلى قلبه، حتى إنه لا يكاد يُذكر على ألسنة العامة والخاصة في داخل الوطن وخارجه إلا بلقب (سلطان الخير)، وحيثما حل حل الخير، وعمَّ العطاء، وظهرت المشروعات والأعمال الخيرية، إلى درجة أنه وقف كل ما يملكه على الأعمال الخيرية حينما قال كلمته المشهورة: (كل ما أملكه في المملكة من مبان وأراض، وكل شيء - عدا سكني الخاص هو ملك لمؤسسة سلطان بن عبدالعزيز الخيرية). وأفضل تصوير لشخصية سلطان القلوب هو ما عبَّر به صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض في إحدى المناسبات حيث قال - حفظه الله - (إن الأمير سلطان بطبعه منذ خلق، وهو مؤسسة خيرية بذاته، وصاحب خير، ويسعى للخير، وكل مكان يكون فيه لا بد أن يكون فيه عمل خير، فسلطان بحق هو مؤسسة خيرية قائمة بذاتها).
فسلطان الخير غيث مريع، ومطر للعطاء غزير، ومن الفأل الحسن وتباشير الخير أن وافق قدومه هطول أمطار غزيرة على جميع أنحاء البلاد، ارتوت على أثرها أرجاء الوطن، استبشاراً بمجيء الخير - إن شاء الله تعالى - فاجتمع - ولله الحمد - خيران، وتوارد عطاءان، فاهلاً ومرحباً بسلطان الخير، وأمطار الخير.
ولا شك أن فرحة المواطنين تكتمل، ومسراتهم تتضاعف بمقدم صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله ورعاه - الذي كان برفقة أخيه سلطان الخير، ومصاحباً له طيلة رحلة العلاج، وملازماً له في كل أسفاره. وهذا يعطينا درساً بليغاً في الوفاء، وموقفاً فريداً في الإخاء، مما يدل على التلاحم الوثيق، والترابط التام بين أفراد الأسرة الملكية - حفظهم الله ورعاهم - مما ينعكس إيجاباً وترابطاً على كل أفراد الشعب السعودي، ويزيد من متانة الجبهة الداخلية للمملكة، وصلابتها للوقوف في وجه كل التحديات.
وليس هذا الوفاء العظيم بمستغرب من أمير القلوب، أمير رياض نجد، سلمان - حفظه الله ورعاه.
نسأل الله تعالى أن يديم على هذه البلاد المباركة نعمة الأمن والاستقرار في ظل القيادة الرشيدة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الأمين، وسمو النائب الثاني - حفظهم الله ورعاهم.
(*) وكيل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد للشؤون الإدارية والفنية