ما أسهل الكتابة الوصفية إذا كان الموضوع يتعلق بمعلم واضح الملامح. وما أسهل التحليل إذا كان موضوعه حدثاً أو أحداثاً انتهت إلى نتائج ملموسة، أخذت طريقها إلى سجل التاريخ. وما أصعب المهمة إذا كان موضوعها رجلاً كالأمير سلطان بن عبدالعزيز، هذا الرجل الفذ، والشخصية الإسلامية، والعربية والوطنية، الذي أشغل الجميع، وانشغل عليه مواطنوه إبان رحلته الاستشفائية. لقد كنت
ولا أبالغ أتلقى العديد من الاتصالات اليومية التي تسأل وتطلب الاطمئنان على صحة سموه الكريم، ونحن إذ تغمرنا السعادة العارمة هذه الأيام بمقدم سموه الكريم، بعد أن أنهى فترته العلاجية، وعاد إلى وطننا سليماً معافى بفضل الله ومنته، ثم الدعاء بظهر الغيب من كافة الناس بمختلف مشاربهم، وأعمارهم. لقد مرت علينا في هذه البلاد الطاهرة مناسبتان عظيمتان تمثلان ركنين مهمين من أركان الإسلام، ألا وهي صيام شهر رمضان المبارك وبعدها أيام عشر ذي الحجة، وقد سمعنا ودون تكلف أو مبالغة كيف كان أئمة المساجد يلهجون بالدعاء لشفاء سلطان بن عبدالعزيز، وجاءت الاستجابة من الواحد الأحد، وها قد رأينا سموه الكريم بطلته البهية وابتسامته المعهودة، وها هو بيننا في أرض الوطن. فلله الحمد والشكر من قبل ومن بعد.
لقد كانت فترة مكوثه بالمستشفى قدراً من أقدار الله، نتيجة وعكة صحية ألمت به، لا تنتظر إذناً من أحد ولا تمنعها إرادة بشر، وهي خير بإذن الله، لمن رضي بقضاء الله وقدره، وإلا لو كانت تلك الوعكة لا تدخل إلا بإذن أو تقدم طلباً لدخول الأجسام البشرية لوقفت في وجهها الجموع المحبة دون السماح لها بإيذاء جسد سيدي صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، لكنها إرادة الله التي لا ترد وحكمه الذي لا يقبل تحويلاً ولا تبديلاً، وقد آمن الجميع بحكم مالك الملك ذي الجلال والإكرام، فلله الحمد والمنة وله الفضل في الأولى والأخرى.
فقد استجاب الله سبحانه وتعالى لدعاء الأمة التي تبتلت إليه تبتيلاً، فأسبغ لباس عافيته وأسبل ثوب ستره على محبوب القلوب وأبراه مما ألمَّ به ليعود إلى محبيه سليماً معافى.
إن عودة سموه سليماً معافى هي عودة لاختلاجات القلب إلى طبيعتها، ذلك أننا في المملكة العربية السعودية ننعم -بحمد الله- بوضعية خاصة، أستنها السلف الصالح وسار على هديها خير الخلف، وضعية مواطنين لا تعيش إلا متلاحمة مع قادتها، مثلما هي متكاتفة مع بعضها البعض، دائماً على مسافة الملامسة من القلب بإحساس الأخ بأخيه الأكبر أو الابن بأبيه، فنتقاسم الأفراح ونجتهد في تخفيف ما قد يطرأ من ألم أو مصاب، تمثلاً للقيم الإسلامية الرفيعة، وتبادلاً للولاء، والإخلاص بكل الود والاحترام.
وها هو المواطن الأول والد الجميع وقائد البلاد المفدى خادم الحرمين الشريفين وبكل ما تعنيه شخصيته الكريمة من رموز خلاقة لهذا الوطن ومجتمعه يحرص دوماً -حفظه الله- على تكريس أسمى صور التلاحم عبر مختلف مناسباتها الوطنية والاجتماعية وهو يقودها بنفسه على أسمى معاني تفاعلها، بل ويرتقي بها بعيداً عن أطر الرسمية إلى حميمية أبسط سمات التواصل والوفاء في مألوفنا الاجتماعي التي يمثل بمعطياتها القاعدة الراسخة لكل شموخنا الوطني بمختلف أبعاده وفعالياته. من هنا كانت أسمى صور التلاحم وقمة تفاعله بأبلغ تعبيرها وتأثيرها تتمثل في استقبال خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله ورعاه- لصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، لدى وصوله إلى أرض الوطن، حيث حرص -حفظه الله- أن يكون على رأس مستقبلي سموه، وهو المواطن العائد بكل شوق إلى أرض الوطن، فكانت مفاجأة الاستقبال الوطني الكبير بأعلى مستوياته تؤجج مشاعر الفرح وصولاً إلى أرض الوطن وتواصلاً مع الأهل بكل ما فيه حميمية اللقاء فضلاً عن حرارة ومستوى الاستقبال، وبالمثل كانت سعادة وابتهاج الجميع.
والقيادة الحكيمة هنا تترجم نبض الوطن في قمة تلاحمه بينما يتجسد عمقه الاجتماعي في مهرجان الحب والوفاء، فالأمير سلطان بشخصه الكريم وما تنطوي عليه هذه الشخصية الفذة المتميزة من سمات حيوية وعمل دؤوب مخلص رغم تعدد مسؤولياته إنه صور مضيئة ومواقف إنسانية، وهو صاحب كل فضل بعد الله، عرف إحسانه للأيتام وللمساكين، ذوي الحاجة يضمد جراحهم، ويواسيهم في أحزانهم، ويحمل عنهم كربهم، ويفرج همومهم، نبع الخير والعطاء، سلطان الخير، الذي طالما أفرد حنايا قلبه لتحتضن أبناء شعبه وأسكن الوطن سويداء قلبه، يعود إلينا سالماً لتتواصل مسيرة العطاء الخالدة، فهو واحد من الذين اختصهم الله بقضاء حوائج الناس، فالمرضى قبل الأصحاء والكبار قبل الصغار، الجميع يلهجون بالدعاء لسموه، فكم من مريض شفاه الله وكان سموه الكريم سباقاً للمواساة، وكم من مكروب فرج عنه سلطان كربه.
إن الأعمال الجليلة والمنجزات العديدة التي قدمها سلطان بن عبدالعزيز لوطنه ومواطنيه سيذكرها تاريخ المملكة بمداد من نور وضياء، ذلك أن صوت العمل عنده قوي وصوت الذات لديه خفي، فهو من صناع التاريخ الذين صاغوا المواقف والأحداث العالقة في ذاكرة التاريخ، وعلى مدى تاريخ سموه ظل قائداً محنكاً عرف بحسن الأداء وإدارة الأعمال الكبيرة بتوفيق كبير من الله سبحانه وتعالى.
حباك الله بخصال حميدة فأنت صاحب الابتسامة، والمحيا الباسم، تبتسم في وجه كل من لاقيت وتقضي حاجة كل من يقصدك، فقد اجتمعت القلوب على محبتك. وإذا كان الحديث عن إنجازات سموكم الخيرية والإنسانية تؤلف فيها المجلدات فلتاريخ مسيرتكم العطرة مع وزارة الدفاع والطيران والمفتشية العامة تاريخ مشرف، وعهد ذهبي يضرب جذوره في هامات المجد، لأن لصاحب السمو الملكي أسلوب مميز وفريد في إدارة دفة هذه الوزارة نابعاً من عدة منطلقات.
الأولى: إيمانه المطلق بغير حدود بأن بناء نهضة القوات المسلحة لا يتم إلا بالتمسك بشريعة الله، والأخذ بما حوته من خيري الدنيا والآخرة، وأن كل شيء لا يقوم على هذا الأساس يعد ناقصاً وغير نافع.
الثانية: ثقته بأن العلم والتعليم والتدريب هي الأساس الذي تقوم عليه نهضة القوات المسلحة، ولا سيما بعد التطور العظيم الذي طرأ على العلوم العسكرية الحديثة وما وصل إليه إنتاج الأسلحة على اختلاف أنواعها وأغراضها من تقدم وتعقيد لا يمكن مواجهتها بغير العلم والتعليم والتدريب، فكان أن رأينا الصروح العلمية المتمثلة في ست كليات وعشرات المعاهد والمدارس والمراكز التي تشمل جميع الأسلحة والإدارات والقوات مما نجم عنه تخرج عشرات الآلاف من الضباط وضباط الصف والجنود المتمرسين.
الثالثة: مواكبته لتطور العلوم العسكرية وإنتاج الأسلحة لمختلف الأغراض والأخذ منها بما يتلاءم مع حاجاتنا وتنظيم القوات المسلحة بأسلحتها وإداراتها ومرافقها بما يتناسب وذلك التطور.
الرابعة: تأكيده في مختلف المناسبات على أن بلدنا بلد يدعو إلى السلام ويعمل من أجل السلام، وما القوات المسلحة إلا السياج الذي يحمي السلام، والسلام الذي نعنيه هو السلام القائم على الحق والعدل، وعملنا على الاستعداد للحرب ما هو إلا حماية للسلام ووقاية من المعتدين الطامعين الغادرين.
الخامسة: تركيزه على المسؤوليات التي تضطلع بها وزارة الدفاع والطيران والمفتشية العامة في الإسهام بنصيب كبير في المسيرة التنموية التي تعيشها بلادنا عبر المشروعات الضخمة التي أنشئت وتنشأ وتأثيرها على المناطق التي تقام فيها بوصفها مراكز حضرية تهيئ فرص العمل للآلاف. ولو تأملنا النقاط الخمسة لرأينا أن كلاً منها يقتضي جهداً دائباً وعملاً متواصلاً لوضعه موضع التنفيذ وهو بالضبط ما تحقق بالفعل.
وها هو سموه الكريم يعود ليواصل المسيرة الخيرة، ويقدم من وقته وجهده أثمن الأوقات للعمل على مواصلة رقي وتقدم بناء القوات المسلحة، إضافة إلى مهام سموه العظيمة في ولاية العهد.
فأهلاً بأمير الإنسانية والبناء والعطاء، ومرحباً بعودتك الميمونة لتعود إلى نشاطك وعطاءاتك الخيرة. أرجو الله أن يجعل كل ما قدمت وتقدم في موازين أعمالك الصالحات وأن يحفظك من كل سوء ومكروه وأن يديم عليك نعمة الصحة والعافية وأن يبقيك ذخراً لهذه البلاد التي تتدفق حباً وحناناً وعزة وفخاراً لأبنائها البررة. ولله الحمد من قبل ومن بعد.
* المدير العام لإدارة الشؤون العامة للقوات المسلحة