كانت المملكة في مؤخرة الدول العربية في عدد القنوات التلفزيونية.. الى أن أضيفت قناتا الإخبارية ثم الرياضية، ومؤخرا قناة خامسة، ثم أخيرا الأربع القنوات الجديدة، ليصبح المجموع تسع قنوات..
ولن يجعلها تتصدر القنوات في العالم العربي، فهناك دول مثل مصر ولبنان والإمارت العربية المتحدة وقطر تسبقها، لكن سيضعها في الوسط بين دول البث الرئيسة التي تمتلك عشرات القنوات ودول أخرى في ذيل القائمة تمتلك قناة أو اثنتين او ثلاثا.. والمؤكد في زحمة الستمائة قناة التي تعج بها السماء العربية، ان السوق السعودية هي السوق الأولى في العالم العربي من ناحية القدرات الشرائية، والمستهدفات الاعلانية لهذه القنوات الفضائية، ولهذا تتنافس على هذا السوق جميع القنوات الأخرى، وتظل قنواتنا غريبة عن سوقنا الإعلامية..
والمهم في الإعلام ليس العدد بل النوعية، ولربما نسأل مجددا كيف هي نوعية قنواتنا التلفزيونية؟ ومدى جاذبيتها نحو المشاهد السعودي والعربي والدولي؟ ولاشك أن المهنية الإعلامية هي نقطة الضعف الأساسية في الإعلام لدينا، فكثير من الأمور تمشي بمفهوم البركة كما يقال عادة.. ولم تكن عبر خطط ومنهجيات مدروسة أو قواعد مهنية متماسكة.. ولهذا فإن أي إضافة الى قنواتنا ننظر اليها دائما من الزاوية المهنية، وليس من الزاوية العددية. كما يظل هذا المعيار هو المقياس الذي ننظر اليه في قنواتنا القائمة، فلا تزال المهنية في الأولويات المتأخرة في بناء صورة ومضمون وشكل تلك القنوات..
والحديث عن الإعلام السعودي أصبح من الموضوعات المتسلسلة التي لا تجد من ورائها أي ننتائج عملية على أرض الواقع.. وقد كتبت كثيرا وكتب غيري أكثر وهناك أعداد كبيرة من الكتاب كتبوا عن مثل هذا الموضوع، ولكن لاجدوى، ولا تغيير.. ونحن عندما نكتب نتوخى ان تنعكس مثل هذه الكتابات إيجابا على واقع مؤسساتنا الإعلامية.. والكتابة في هذا الموضوع ليست هدفا بذاتها، ولكنها وسيلة ومحاولة لتحريك الواقع، وتفعيل الامنيات.. ولهذا نكتب في مثل هذا الموضوع مرات ومرات عديدة.. ونعلم أن الكتابة الصحافية في عدد كبير من موضوعاتنا الاجتماعية قد لاقت القبول والترحيب، كما وجدت الاهتمام والتفعيل المناسب من قبل الجهات التنفيذية ذات العلاقة.. عدا هذا الموضوع.. الذي عادة ما يأتي بدون أي تبريرات رسمية واضحة..
وبشكل محدد فمن الموضوعات التي كتبنا فيها كثيرا موضوع التحول من الوضع القائم في قنواتنا الرسمية إلى واقع إداري جديد هو التحول نحو المؤسسات العامة، ورغم أن هذا الخيار يقل عن طموحات المتخصصين، الا أننا رحبنا به كثيرا فلعل وعسى تتحسن الأمور.. ونحن إلى هذا اليوم لا نزال في انتظار نتائج اللجنة التي شكلها معالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجه لتفعيل الأمر السامي بتحويل الإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء الى مؤسسات عامة.. وعندما نتطلع منذ أكثر من ستة أعوام الى مثل هذا التحول، فإننا نتوقع أن تكون المهنية هي المعيار الأول في بناء هذه القنوات.. ونعلم جيدا حجم العقبات التي قد تواجه مثل هذا المسار، ولكن إذا نظرنا في المتوقع من ذلك سنجد الحلول المناسبة لأي عقبة تواجهنا..
أخيرا، فهذا بمشيئة الله هو مقالي الأخير في الإعلام السعودي، وبكل صراحة فموضوع الإعلام يستهويني بحكم التخصص والاهتمام، ولكن وصلت مثل غيرى الى نهاية المسار الكتابي في هذا الموضوع.. ولم يعد هناك داع للكتابة مرة أخرى.. لأن واقع الإعلام لا يتحرك، ونحن منذ مباركتنا للأمر السامي بتحويل قنوات الإعلام الى مؤسسات عامة، ونحن ننتظر، ولكن دون جدوى.. وقد كتبنا مرات عديدة لثلاثة وزراء في الإعلام ولكن دون جدوى.. وكل مرة نعطى جرعات تسكينية بتشكيل لجان او دراسة الموضوع أو جمع معلومات، ولكن في النهاية لا تتحرك الأمور.. وقد وجدت أن أفضل حل أستطيع ان أتعايش به مع الواقع هو صرف النظر عن الكتابة في الإعلام، فهذه أفضل طريقة لتجنيب نفسي وغيري مشقة الكتابة او القراءة.. وأنا اعلم أن شيئا لن يتغير في المستقبل القريب، ولهذا فإني أعلن عن توبتي من الكتابة في هذا الموضوع الذي أصبح من الموضوعات المملة للكتابة والمملة في القراءة والأكثر مللا في المناقشة.. والله الموفق..
المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية
أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود
alkami@ksu.edu.sa