الأخطاء الطبية ملف ساخن يتجدد مع كل روح تزهق بسبب خطأ أو تقصير والجهود التي تبذلها وزارة الصحة مؤخرا لمحاصرة هذا الملف لكي لا يتحول إلى ظاهرة بالمعنى الحقيقي ملموسة، ولعل قرار إغلاق غرفة العمليات في أحد المستشفيات الخاصة مؤخراً على خلفية الخطأ الطبي الذي أودى بحياة أحد المواطنين أثناء عملية التخدير يمثل إحدى هذه الإجراءات السريعة، فالوزارة ومن خلال وزيرها المتخصص والمشهود لها بالكفاءة والإنجاز مطالبة باستلام زمام المبادرة في هذه القضية ومعالجة جذورها بما ينعكس إيجاباً على واقعنا الصحي وجانبه الطبي المتصل بحياة المواطنين والمقيمين، والبحث في مسببات تلك الأخطاء التي تمس حياة الإنسان مباشرة ً للقضاء عليها من جذورها، لكن هذا التحرك والإجراءات التي تلته في ظل الأجواء الوطنية الداعية لتصحيح أداء المؤسسات والجهات المعنية بتقديم الخدمة للمواطنين وفتح كل ملفاتها يفتح الباب أيضا لتعزيز ثقافة الحساب والمساءلة ونشرها بالشكل الصحيح الذي يجعلها جزءا من ثقافة تحسين الأداء، فهذه الثقافة لابد وأن تعزز من خلال الوعي المجتمعي بأن فتح الملف ومناقشته لا يعني الإدانة لأجهزتنا الطبية أو مرافقنا الصحية كما يعتقد البعض والتي حققت وما تزال تحقق إنجازات كبيرة تضاف إلى رصيد الوطن، فالذين ينظرون من أفق قاصر عن بلوغ تمام الرؤية لكل أبعاد الواقع الصحي قد يتجاوزون في خضم الحماس للحديث عن بعض الأخطاء بنية القطاعات الطبية وتنوعها وعمق تجربتها، بل إن فتح الملف ليس اتهاماً أصلاً، لأنه في حقيقته وفي حال تطبيقه يعد (ظاهرة صحية) لمراجعة جادة لأداء أجهزتنا الطبية ومدى تقيدها بكل التعليمات والاشتراطات والسياسات التي أقرتها الوزارة في كل أعمالها وشؤونها الصحية، وكذلك تقويم شامل لآليات العمل الإداري والطبي والتقني، سواءً ما يتعلق بالمستشفيات والمراكز الحكومية أو ما يتصل بعمل القطاع الصحي الأهلي، خصوصاً أن هذا القطاع هو المعني بشكل كبير في قضية الأخطاء الطبية لزيادة الشكاوى ضده، فملف الأخطاء الطبية يستدعي النظر بجدية إلى واقع الاستثمار الطبي ومعايير جودته والمنضوين تحت لوائه وهذه المعايير لا بد وأن تعضدها الوزارة بالآليات المناسبة التي تترجمها على أرض الواقع بعيدا عن التنظير والتطمين لكي لا يكون الاستثمار الطبي مجرد مشروع تجاري يستهدف تعظيم الأرباح على حساب الأرواح!