Al Jazirah NewsPaper Saturday  09/01/2010 G Issue 13617
السبت 23 محرم 1431   العدد  13617
 

البيئة الإدارية المحفِّزة للتنمية
آليات اختيار قيادات القطاع العام على ضوء خطاب الملك عبدالله
د. عبدالمجيد محمد الجلال

 

في خطابه التاريخي بمناسبة إعلان الموازنة العامة للدولة للعام المالي 1431 - 1432هـ أكدَّ خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله، وبعبارات صارمة،

(على التنفيذ الدقيق والمخلص لبرامج ومشاريع الميزانية، وعلى الوزراء ورؤساء الأجهزة الحكومية المتابعة الدقيقة لما يُنفذ..دون أي تقصير أو تهاون، والاستشعار الدائم للمسؤولية والأمانة، التي تحمَّلوها أمام الله، ثمَّ أمامنا، وعلى الأجهزة الرقابية القيام بدورها على أكمل وجه، ورفع التقارير إلينا أولاً بأول).

ومن أجل تنفيذ توجيهاته حفظه الله، وفق أفضل السُّبُل الممكنة، لتحقيق مصالح الوطن والمواطن، تبدو الحَّاجة مُلحِّة إلى إعادة النظر في آليات وأساليب اختيار القيادات الإدارية لمؤسسات القطاع العام، المنوط بها تنفيذ التوجهات والسياسات العامة للدولة، وخططها وبرامجها لتحقيق التنمية المستدامة، بما يكفل اختيار الكفاءات القيادية على المستوى الكلي والقطاعي، القادرة على إنجاز الأهداف والبرامج المعتمدة، بفعالية أكبر، من خلال توظيف الإمكانات المتاحة لصالح المجهود التنموي، وتوجيه الموارد المالية للدولة نحو منافذ الإنفاق المستهدفة، وعدم تبديدها في أعمال غير منتجة، أو توظيفها لتحقيق منافع فئوية، ومصالح ضيقة، تؤثر سلباً على متوسط نصيب الفرد من ثمرات التنمية وعائداتها على امتداد مناطق المملكة المختلفة.

ترتيباً على ما سبق، وبما يخص قيادات القطاع العام لدينا، تبدو الإشكالية المزمنة في افتقاد بعض هذه القيادات لعنصرين أساسين:

الأول: فني، ويتصل مباشرة بمعايير ومواصفات القيادة الإدارية الناجحة، وفق تصنيفات علم الإدارة، ومن أبرزها: امتلاك المهارات الفنية القادرة على تحديد الأهداف والسياسات، وإعداد الخطط والإستراتيجيات، وتنظيم الأولويات، والجرأة والشجاعة على اتخاذ القرار، وتحمّل تبعاته، وبث روح الفريق الواحد في بيئة العمل، وتنمية قدرات هذا الفريق الفنية والإبداعية، وإشراكه في المناقشة وصنع القرار، وتقسيم العمل، وتوزيع المسؤوليات، حسب التخصص والخبرة والكفاءة، والتنسيق بين الوحدات الإدارية لضمان تحقيق أعلى مستوى من الكفاءة والفاعلية، ومعالجة المشكلات، وتذليل العقبات التي تواجه بيئة العمل والعاملين.

ومن ثمَّ فإن النقص الواضح في امتلاك كل أو بعض هذه المهارات، يؤدي تلقائياً إلى عدم القدرة على إنجاز الخطط والبرامج الحكومية، وفق المعطيات المستهدفة.

الثاني: ثقافي، ويتصل مباشرة بمفهوم الانتماء والمواطنة، وتأثيره الإيجابي على الوطن والمجتمع، بما يفرضه من قِيم عالية، ومصداقية في العمل، وشفافية في التعامل. والخلل والتآكل في هذه المقومات الإيمانية والوطنية، يسهم بالتأكيد في ازدياد حِدّة الممارسات والسلوكيات النَّفعية الضيقة، على حساب المصالح والمنافع العامة. ومع الأسف الشديد فإن بعض القيادات الإدارية لدينا لا تخلو أن تكون إما قيادات (بيروقراطية) أسيرة للوائح والنظم والتعليمات، لا تمتلك الجرأة والشجاعة على تطوير بيئة العمل القائم، وبث عناصر الإبداع والتطوير، والرفع من قدرات العاملين. وإما قيادات نفعية (القيادة الأوتوقراطية) التي تهتم في المقام الأول بتعظيم مصالحها، ومنافعها، وتسخير موارد المؤسسات المهيمنة عليها، لتحقيق تلك المصالح والمنافع.

عليه، فإن استمرار وجود هذه النوعية من القيادات الإدارية، يعني بطبيعة الحال استمرار التبديد النسبي لموارد الوطن المتاحة، وتعثّر خططه ومشاريعه، إضافة إلى استمرار معاناة المواطن في الحصول على الكثير من احتياجاته المعيشية والخدمية، التي تحقق له الاستقرار والرفاهية والحياة الطيبة.

ومعالجة هذا المأزق الإداري المعوِّق للمجهود التنموي، بشقيه الفني والثقافي، يتطلب على المدى المنظور العمل على إيجاد وتوفير البيئة الإدارية المُحفِّزة للتنمية، التي تتجاوز التناقضات، وحُمّى المصالح، وتستنهض الهمم والعزائم للإبداع والابتكار، وتتحسس احتياجات الوطن والمواطن، وتسمح بتطبيق وتفعيل سياسات إحلال قيادات إدارية جديدة، بالمعايير الفنية والثقافية المشار إليها آنفاً، عوضاً عن تلك التي يتضح عدم فعاليتها، إضافة إلى تفعيل سياسات المتابعة، والرقابة، والمحاسبة، لضمان جودة الأداء الإداري والمالي، وسلامة التَّوجه والمنهجية، وبما يحفظ للوطن موارده وإنجازاته المتراكمة خلال الزمن، ويحفظ للمواطن حقوقه في التمتع بمنظومة خدمية عالية الجودة، ويسدُّ نسبياً منافذ الفساد الإداري والمالي.

بالمحصلة النهائية، ينبغي التأكيد على أنَّ تنفيذ توجيهات الملك عبدالله بأقصى فعالية ممكنة، لن يتأتى في جانبٍ منها إلا بالإدراك المعرفي والفني لأهمية إصلاح بيئة العمل المُحفِّزة للتنمية، بما يسهم بصورة فعَّالة في تحسين مخرجات التنمية، وتحقيق مؤشرات إنجاز عالية، في مجالات تنمية الموارد البشرية، وتنويع القاعدة الاقتصادية، وتوسيع الخدمات العامة وتطويرها (الصحة، التعليم، الإسكان، البيئة،..) وإنشاء وتطوير البنية التحتية (النقل، الطرق، المطارات، الاتصالات، نظم الصرف الصحي، تمديدات المياه والكهرباء،...) ورفع مستويات الأداء، والحدِّ من التبديد النسبي للمال العام. دون ذلك ستظل بعض مؤسسات القطاع العام لدينا تعاني من مأزق حادّ في قدراتها وسلوكياتها الإدارية والمالية.

من مأثور الحِكم:

وارْعَ الأمانةَ والخيانةَ فاجْتنِبْ

واعْدِلْ ولا تظْلِمْ يطِيبُ المَكْسَبُ


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد