Al Jazirah NewsPaper Saturday  09/01/2010 G Issue 13617
السبت 23 محرم 1431   العدد  13617
 
نحن العرب!
رمضان جريدي العنزي

 

نحن العرب متشابهون في كل شيء، في السعرات الحرارية وفي درجه الغليان، وفي لون الدم، وفي الحلم وفي الألم وفي الشحوب وفي الحب وفي الكره، نحن العرب متشابهون حتى في السوداوية والمرارة والتآكل والخراب والوجع، نحن العرب متشابهون في لعق الانكسارات ومتشابهون في المتاهات ومتشابهون في الرغبة وفي الانطفاء وفي المصير المجهول، نحن العرب في الهذيان متشابهون وفي الهروب متشابهون وفي اليتم والانكفاء والنكوص وفداحة الخسارات وغزارة التناقضات وعلقم الجراح وامتطاء الفوضى والتفريط والمكائد والفجيعة وإيهام الذات ووطيس المهالك وفي الحماقات وإهدار القدرات والكسل الممنهج متشابهون، نحن العرب متشابهون حتى في الاحتفاء بالموت وتراتيل النهايات والصحو والمنام والجد والسخرية وفي الفراغات وحدود الاستعلاء والتعملق بفجاجة وهزال الانتفاخ، نحن العرب متشابهون في المقاهي وفي زوايا المؤسسات والشوارع والارتسامات الجامدة والوجوه المجهدة بالتعالي ونقص المناعة الثقافية، نحن العرب متشابهون في الثورات وفي الحركات وفي الخطب النارية العصماء وفي المسلمات القبلية والعائلية الموروثة، نحن العرب متشابهون في بهرجة ال (أنا) المنتفخة، نحن العرب متشابهون في الشعر والبحر والطيور والرياح وأوراق الشجر المتناثرة وفي مدارات الفصول، نحن العرب في القراءات متشابهون وفي المعارك متشابهون وفي التاريخ والجغرافيا والتضاريس والمناخات والعوالق الترابية وحركة الرمال ومناجاة الأنجم والتخوم والحماء والتشبث في ذيول الماضي السحيق متشابهون، نحن العرب متشابهون في الصحاري الجافة وفي بطاقات الأعياد وفي تفاصيل الملح الجنوني وفي أجراس الأحلام وضرب الطبول وترتيب الضجيج وفاتحة الاشتهاءات وصقيع الشفاه وأنياب الغربة وقعقعة الضجر وبرودة الانتظار، نحن العرب لنا أرواح مالحة وقلوب ذابلة وانكسارات وخراب مزمن ومدن أصابها العطب والجنون ومأساة وأغنية حزينة، نحن العرب لدينا جرح هائل امتد حاضناً دم يأسنا، كل شيء لدينا غامض ومضبضب وحتى كلامنا اجترار حكايا، مشاعرنا متدثرة بالظلمة، لنا تربة وماء وهواء لكننا ما زلنا رهائن للخوف والشك وعدم اليقين حتى تهشمنا وتهمشنا، نجومنا التي كسرت ثلمة الليل منحتنا شيئاً غامضاً، الجهة الأخرى من العالم تكاد تهجرنا لأنها زرعت قمراً يشع ضوءاً ونحن في الضفه الأخرى نائمون، صباحاتنا شاخت حتى ماتت من حولنا زهور السوسن وأشجار النخيل، مثل العميان نحن نتلمس طرقنا في الظلام المخيف، حتماً سنعود ذات مرة لكن برائحة حزن عتيق وخيبة مريرة، لأن أنشودة العودة قد ملأناها بالويل وبالوجع، ولأن الفراغات التي عشناها ملأت جيوبنا فزعاً حتى أصبحنا مثل الفانوس لكن بلا زجاجة، خطواتنا متعثرة وطرقاتنا مرتبكة وظلنا غير مستقر وأحلامنا مائلة ووجوهنا لا تليق بالمطر، شتاؤنا مغمس بالبرد والمطر وبالطين، قطرات الندى تدغدغ زجاج نوافذنا المكسور ثم تنساب بهمس عازفة سمفونية الشتاء الثقيل، ضحكاتنا تهددها الليالي بوحشة، أصابع ليلنا المكفهر القادم تنساب في الأركان وفي الزوايا بلا استئذان، بينما تنساب أشعة فوانيسنا الشاحبة على وجوهنا العتيقة البالية الملامح، نترنم بألحان قديمة تتابعها آذاننا بلذة كأننا لم نسمع من قبل لشدو أغنية، نحن العرب لنا عقول لكنها تخون أنفسها، لهذا نحن العرب سنظل أبداً متشابهين في كل شيء في الأصل والظل وفي تناسل الحروب.



ramadanalanezi@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد