العالم كله في حالة خوف وهلع من حقيقة تكرار النموذج الأفغاني بشقيه؛ تنظيم القاعدة، وحركة طالبان في دولة اليمن التي تعيش منذ سنوات طوال في حالة من عدم الاستقرار الأمني والسياسي. فمقومات النموذج الأفغاني الفوضوية ماثلة للعيان في عرين اليمن بعد أن امتطى العنف فيه كافة المواقف ليغدو سيدها ومربط الحركة في مختلف جوانبها السياسية والاجتماعية.
هذا هو حال الواقع اليمني اليوم بعد أن فتح الحوثيون باب الفوضى وعدم الاستقرار في اليمن على مصراعيه في حربهم السادسة على الحكومة اليمنية الشرعية، الحرب التي طال أمدها لأكثر من ستة أشهر لا نعلم كيف؟ ومتى؟ وإلى أين سينتهي حالها المؤسف؟ هنا تعلو التساؤلات التقليدية: كيف يتمكن الحوثيون من محاربة ومواجهة الجيش اليمني النظامي لمدة طويلة هكذا من الزمن؟ من يمدهم بالسلاح والذخيرة؟ من يزودهم بالمؤن ومتطلبات العيش والبقاء؟ وأخيراً من يمدهم بالرجال والمتطوعين لمواصلة القتال؟
لا تكمن المشكلة في كيف بدأت الحرب في اليمن؟ ولماذا؟ بقدر ما تكمن في إشكالية استمرارها في شمال اليمن في مدينة صعدة والمناطق المحيطة بها، وكأن تلك المنطقة كانت وما زالت دولة مستقلة في داخل الدولة الأم تمتلك السلاح ومقومات الحرب طويلة الأمد، وبمقدورها مواصلة القتال بشكل ملفت للنظر.
الحال هناك في اليمن انتقل من حال داخلي صرف وشأن محلي بحت إلى مستوى الإقليمية ومن ثم إلى المستوى الدولي بعد أن بات اليمن مصدراً جديداً من مصادر التطرف والإرهاب منذ أن لجأت إليه عناصر قيادية من تنظيم القاعدة ليغدو لها وطناً بديلاً لأفغانستان، ومن ثم لتخطط وتنفذ محاولة اغتيال سمو مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية الأمير محمد بن نايف في شهر رمضان من العام الماضي وأخيراً محاولة تفجير الطائرة الأمريكية المتجهة من السويد إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
لهذا اعتبرت الدول الخليجية والعربية اليمن مصدرا جديدا من مصادر الإرهاب، فيما اعتبرتها الولايات المتحدة الأمريكية خصوصا الكونجرس الأمريكي الساحة الحربية الجديدة لمواجهة تنظيم القاعدة في موقعه الجديد ومخططاته الجديدة، فتنظيم القاعدة الذي استفاد كثيرا من الوضع البيئي الأفغاني ومن قيام نظام حركة طالبان في التسعينيات من القرن الماضي، بعد أن انتهت الحرب الباردة في تلك المنطقة، ها هو اليوم يسعى للاستفادة من الوضع السياسي والأمني والاجتماعي المتردي في اليمن في محاولة جادة لتكرار النموذج الأفغاني في البلاد اليمنية.
صحيح أن المواصفات اليمنية من حيث الوضع الاجتماعي والسياسي والأمني وخصوصا الطبيعة الجغرافية تتطابق تماما مع المواصفات الأفغانية خصوصا ما يتعلق منها في الجانب الاجتماعي بارتفاع حالات الجهل والفقر والاستعداد النفسي والعقدي للدخول في خلايا التنظيم، لكن المواصفات اليمنية التي تمثل الخطورة الأكبر تتضح في واقع القبلية اليمنية المسلحة، وفي الخلافات اليمنية القبلية - القبلية، وأخيراً في كبر الحدود الساحلية اليمنية التي تساعد على تهريب السلاح والإرهابيين وتسللهم إلى اليمن بكل سهولة ويسر لا سيما وأن الحكومة اليمنية لا تملك القدرات الكافية لتغطية تلك الحدود أمنياً.
هذه المواصفات والسمات اليمنية تمكن تنظيم القاعدة ليس وحسب من تكرار النموذج الأفغاني في اليمن، وإنما توفر له القدرة على تصدير نشاطاته الإرهابية والتخريبية إلى جيرانه بل وإلى معظم دول العالم. فموقع اليمن الجغرافي في شبه الجزيرة العربية الملتصق بالدول الخليجية والمتاخم للحدود الأفريقية يساعد تنظيم القاعدة على إدارة عملياته الإرهابية بكل سهولة ويسر.
هذا ما يفسر الخوف العالمي والإقليمي من أن يتحول اليمن إلى ملاذ آمن ووطن بديل لتنظيم القاعدة، وأيضاً ما يفسر الخوف الإقليمي من فتح جبهة إقليمية دولية جديدة للحرب على الإرهاب لا مناص ولا مفر من فتحها إذا ما تدهورت الأحوال والأوضاع السياسية والأمنية في اليمن لتصل إلى ما وصل إليه الحال في أفغانستان.
هنا تحديدا بالضبط يتجلى التحدي الكبير لليمن ولدول المنطقة وللعالم كله التي على ما يبدو تحرص على معالجة هذه المعضلة والمخاطر التي قد تتمخض عنها بمنطق مواجهة الإرهاب بالحرب، فيما يتطلب الوضع أكثر من ذلك بكثير. فالمطلوب تحديدا تغيير الظروف والأوضاع الإنسانية المعيشية في اليمن بداية من محاربة ثقافة التطرف والإرهاب بمنطق الاعتدال والوسطية، مرورا بتوفير الفرص المعيشية والوظيفية للشعب اليمني، وصولاً إلى العمل الجاد والمخلص لإنهاء حالات الاحتقان السياسي والاجتماعي والاقتصادي، والأهم من ذلك كله تنفيث حالة الكمون النفسي الذي يعاني منه معظم فئات الشعب اليمني.
www.almantig.org