الجزيرة - عبدالله البراك:
بعد أن تفاقمت الفجوة بين البنوك ورجال الأعمال وبين إصرار البنوك على التحفظ في الإقراض ومطالبة رجال الأعمال لها بالتوسع في الإقراض، يرى المتابعون أن التيارين على حق لكن هناك حلقة مفقودة بينهما أرجعها البعض إلى أنها مخلفات الأزمة المالية العالمية، بينما ركز البعض الآخر على أنها خلل في دائرة الأعمال، فالبنوك تطلب دراسة جدوى وتقرأ التقارير المالية المراجعة من قبل مكاتب المحاسبين القانونيين المعتمدين أو دراسات الجدوى الاقتصادية المقدمة من مكاتب استشارية الذي يبنى عليه قرار البنك بنسبة 70-75% حول موافقته على تقديم القرض من عدمه.
وكان محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي الدكتور محمد الجاسر قد فند متطلبات القطاع الخاص والمتعلقة بتسهيل التمويلات البنكية، وأكد أن القطاع البنكي يسهم في تمويل القطاع الخاص بشكل كبير، مشيرا إلى أن الائتمان البنكي المقدم للقطاع الخاص في نهاية شهر نوفمبر الماضي بلغ نحو 723 مليار ريال، وهو ما يشكل نسبة 160 في المائة من حصة القطاع الخاص بالناتج المحلي، وما يقدر بنحو خمسة أضعاف حجم القروض القائمة الممنوحة من صناديق التنمية الحكومية.
وأشار الدكتور الجاسر خلال لقائه برجال الأعمال في مجلس الغرف السعودية بالرياض الأسبوع الماضي إلى أن إقراض البنوك للقطاع الخاص في السنوات الثلاث الماضية يقدر كمتوسط بنسبة نمو سنوية تتجاوز 19 في المائة، علما أن متوسط نسبة نمو الناتج المحلي للقطاع الخاص خلال الفترة نفسها وصل لـ 4.2 في المائة.
وطالب الجاسر القطاع الخاص بتفهم وضع البنوك من خلال حمايتها لودائعها البنكية، موضحا دور المؤسسة الذي يقتصر على الإشراف على البنوك وليس إدارتها، وان على البنوك المحافظة على سلامة ودائعها قبل الإقراض البنكي ونفى الجاسر حاجة المملكة في الوقت الحالي إلى بنوك جديدة.
وحول هذا الموضوع رأى الدكتور أحمد المغامس الأمين العام لهيئة المحاسبين القانونيين أن قضية تحفظ إقراض البنوك في الوقت الحالي متشعبة، وعملية إعطاء قرض تحتاج للعديد من الإجراءات التي تقوم بها البنوك جزء منها يتعلق بالنظر للقوائم المالية المراجعة من قبل المحاسبين القانونيين ولكنها لا تعتمد عليها في اتخاذ القرار، حيث إن هناك جانبا في اتخاذ القرار يهتم بالوضع الاقتصادي العام ومسببات الحصول على هذا التمويل. وطالب المغامس البنوك وجهات التمويل بقبول ما يقدمه المحاسب القانوني في تقريره، وإذا ما حدث أي تقصير أو خلل في التقرير المقدم تتم محاسبة مصدر التقرير من قبل هيئة المحاسبين القانونيين، وألا تقصر قوائمهم على أشخاص معينين لقبول تقاريرهم خاصة ان بعض من تشملهم تلك اللوائح قد توفي أو سحب ترخيصه أو ترك مزاولة المهنة لسبب أو لآخر.
وأوضح المغامس أن هناك توجها لدى الهيئة بتنظيم الاستشارات المحاسبية وتشديد الرقابة عليها وطالب باقي الجهات بتشديد الرقابة على من رخص له لتقديم دراسات الجدوى أو الاستشارات الاقتصادية خاصة ان هناك تراخيا لدى البعض في مراقبتها.
من جانبه رأى الدكتور عبد الله باعشن رئيس الفريق الأول للاستشارات أن عدم نظر البنوك إلى دراسات الجدوى التي تقدمها بعض مكاتب الاستشارات يعود إلى الثقافة البنكية التي بنيت قبل الأزمة العالمية التي كانت تمنح العميل تسهيلات بناء على السمعة والانتشار دون الرجوع إلى القوائم المالية أو الدراسات الاقتصادية المتكاملة، ومع الأزمة العالمية أوجدت هذه الفجوة ومعها تغيرت هذه الثقافة لدى البنوك وخوفا من انزلاقها مع الأزمة العالمية لجأت إلى الأسس المهنية مع العلم أن البنوك ليس لديها الموظفين المؤهلين بشكل كامل لإعداد هذه الدراسات والتأكد من ملاءة هذه التاجر وان لدية القدرة على الوفاء بهذا الالتزام. ورأى الدكتور باعشن أن الخلل يكمن في ضعف تأهيل الموظفين لدى البنوك في هذا الشأن خاصة أنهم كانوا يلجأون إلى الائتمان السهل خلال الفترات الماضية، وأعاد الدكتور باعشن ذلك إلى عدم وجود مرجعية تضع الأسس والمعايير المطلوبة لممارسة المهنة ومحاسبة العاملين فيها ومراقبة جودة الأداء لهذه المكاتب الاستشارية، وأضاف أن مصدري هذه التقارير إذا احتوت تقاريرهم على معلومات خاطئة أو غير صحيحة لا يمكن محاسبتهم ولو وجدت لها مرجعية لأصدرت لها أسس معينة وكذلك لائحة بأخلاقيات المهنة، وعاد باعشن إلى أن الرقيب الذاتي هو الفاصل في هذا الموضوع، فحتى المكاتب العالمية تعتمد على الرقابة الذاتية وسمعتها وخبرتها في مجالاتها.
- أما الخبير المصرفي محمد عبد الإله حمودة فقال: نحن نتفق على أن البنوك مشاركة للقطاع الخاص في الأزمات مثل ما تشاركه في أوقات الرخاء الاقتصادي، دون أن تضر بحقوق المودعين أو الملاك وهذا ما يقوي العلاقة بين العميل والبنك، ولهذا لا نستغرب مطالبة رجال الأعمال بتسهيل عمليات الإقراض.
وحول آلية التقدم لطلب تمويل أو تسهيلات تجارية قال حمودة: من النادر أن تنظر البنوك إلى دراسات الجدوى، والسبب في ذلك أن البنك يريد أن يعتمد على حقائق عند تقديمه للتسهيلات الائتمانية وأيضا يريد أن يبتعد عن تعارض المصالح بين تلك المكاتب وبين صاحب العلاقة؛ لذلك يعتمد على موظفيه في اعداد هذه الدراسات ونظرتهم الموضوعية، ففي النهاية مكتب الاستشارات يهتم بأن يقدم أرقاما تساعد العميل في الحصول على التمويل المطلوب لذلك ستجد التقرير المقدم بعيدا عن الموضوعية.
وقال حمودة: ان ذلك لا يبرئ البنوك بشكل كامل ولكن يجب أن نأخذ في الاعتبار أن البنك ينظر في حالة تقديم طلب تسهيلات أو قرض إلى ثلاث نقاط الأولى السبب والثانية الوضع المالي للعميل والثالثة هي ملاءة العميل وقدرته على الإيفاء بهذا الالتزام، وهذا الجانب يقرره مدير العلاقة في المرحلة الأولى ومدير الائتمان في المرحلة الثانية، وهنا نجد أن البنك يحتاج في بعض الأحيان إلى تأكيدات أو استفسارات، وهنا تبدأ المشكلة فتجد بعض العملاء يتحفظون في المعلومات بحجة أنها أسرار العمل، ما يتسبب في رفض التمويل ولكن هناك عملاء أكثر انفتاحا وهؤلاء من النادر أن تواجه طلباتهم بالرفض.