يشتكي القطاع الخاص السعودي من مشكلة التمويل، ما دفع رجال الأعمال إلى التنديد علانية بالقطاع المصرفي الذي يتهمونه بالتقصير في دعم مشروعاتهم الوطنية.
الأرقام تُثبت أن حجم الائتمان المصرفي بعد الأزمة العالمية يفوق بكثير الحجم المصدر قبل الأزمة، ما يعني أن البنوك لا تمتنع عن تقديم القروض لمن يستحق، وأنها تدقق كثيراً في نوعية المقترضين ما يجعل بعض طالبي القروض خارج دائرة الاستحقاق.
يُحيل رجال الأعمال إخفاقاتهم في إنجاز مشروعات التنمية إلى ندرة التمويل وإحجام المصارف السعودية عن التعامل معهم ما يجعلهم الطرف الأضعف في المنافسة للحصول على جزء من حزمة المشروعات التنموية الضخمة التي تطرحها الدولة تباعاً في السوق المحلية. رجال الأعمال أصروا على عقد اجتماع مع محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي، الدكتور محمد الجاسر لإيجاد حل لمشكلة «التمويل» معتقدين أن الدكتور الجاسر سيفرض على البنوك تقديم التمويل دون تمحيص لمن يريد!. رجال الأعمال، على الرغم من سيطرتهم على إدارة القطاع الخاص بحرية مطلقة، عاجزون عن استيعاب الفرق بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص من جهة، وبين التعامل مع المصارف كمنشآت مالية خاصة يمتلكها مساهمون مستقلون، وبين صناديق التمويل الحكومية من جهة أخرى.
ولتبسيط الفكرة على جهابذة الأعمال نقول: هل يسمح أحدهم بتدخل وزارة التجارة، المشرفة على قطاع الأعمال، في تحديد ربحية شركاتهم، أو فرض ضرائب إضافية لمصلحة المجتمع، أو سعودة جميع الوظائف لديهم، أو إلزامهم بتقديم معونات مباشرة لأصحاب المشروعات الصغيرة، أو فرض ضرائب إضافية على أعضاء الغرف التجارية، وإلزامهم بمساعدة المؤسسات الصغيرة على النهوض، وإقرار مشروعات سنوية للمجتمع تمول من أرباح شركاتهم الخاصة نظير مكاسبهم التجارية التي يجنونها من عضويتهم في الغرف التجارية، وتمثيلهم قطاع الأعمال ضمن الوفود الرسمية والزيارات الملكية التي تؤهلهم لعقد الصفقات وتوقيع الاتفاقيات المباشرة؟!. أو هل يقبلون بتدخل مؤسسة النقد العربي السعودي لحجز أرصدة أصحاب المساهمات العقارية المتعثرة وتسديد مطالبات المساهمين العاجزين عن إثبات ملكيتهم منذ أكثر من ثلاثين عاماً؟.
مؤسسة النقد تُشرف على القطاع المصرفي لضمان سلامته، وتسعى جاهدة لوضع الأنظمة والقوانين الكفيلة بتحقيق العدالة والكفاءة في أداء المصارف لمصلحة الاقتصاد الوطني، وحماية أموال المودعين واستثمارات المساهمين، الملاك الحقيقيين للمصارف. قد تتدخل المؤسسة في الحد من الإقراض أو تقنينه، إلا أنها لا تمتلك صلاحية إلزام المصارف بتقديم القروض إلى من لا يستحق، وإلا كانت المسؤولة عن تدمير مجموعة معايير الائتمان التي يفُترض أن تكون الداعم الأول لها. تُركز معايير «بازل 2» على كفاءة القروض المبنية على ملاءة المقترض وقدرته على السداد، وبذلك تميز الجهات الرقابية بين حجم القروض المتماثلة اعتماداً على نوعية المقترضين وقدرتهم على الإيفاء بالتزاماتهم المالية، وهي النقطة التي ربما حرمت بعض رجال الأعمال من الحصول على الائتمان المصرفي.
تبحث البنوك عن تحقيق معادلة الربح مع ضمان السداد، ومتى توفرت هذه المعادلة تصبح عملية الإقراض أكثر انسيابية مما يتوقعها القطاع الخاص. تعثر المقترضين قد يقود القطاع المصرفي إلى كارثة حقيقية، ولنا في تعثر بعض المجموعات التجارية عبرة وعظة. أحد رجال الأعمال تداخل مع الدكتور الجاسر في اجتماعهم الأخير، بقوله «البنوك مضرب الهم والغم»، وهي ربما كانت كذلك لأصحاب القروض الاستهلاكية وقروض الأسهم التي تبخرت في انهيار 2006 المشؤوم، إلا أن البنوك هي أيضاً «مصدر المَغّنَم» لبعض رجال المال والأعمال الذين كانوا خارج دائرة الضوء قبل ما يقرب من عشر سنوات، ومن قروضها حققوا ثروات ضخمة شحوا على فقراء الوطن بفتاتها. والبنوك كانت أيضاً مصدر التنمية خلال الثمانينات والتسعينات الميلادية التي شهدت سنواتها أكبر عجز متراكم لميزانيات المملكة عبر التاريخ. أخطأ رجال الأعمال الوجهة بمقابلتهم محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي، وكان من الأولى لهم مقابلة وزير المالية المسؤول الأول عن صناديق التنمية الحكومية التي يفترض أن تقدم قروض الدعم، وأن تعالج مشكلات القطاع الخاص المالية، أو على الأقل تضمن قروضهم المطلوبة لدى القطاع المصرفي الذي لن يتوانى حينها عن تقديم ما يريدون!.