ظاهرة العولمة هي اللعبة التي تسطر للتاريخ ما يؤمن الأهداف المالية والسياسية التي تحقق مصالح الدول الكبرى والشركات المتعددة الجنسيات، وهنا نجد أن التاريخ يتداخل مع السياسة تداخلاً متعدد الأطراف، حيث نجد أن سياسة تلك الدول قد وضعت في منهجها أن تغزو العقول فتتدخل في تفاصيل الحياة اليومية لكل فرد في هذا العالم، وعلاوة على العناصر التي تعتمد عليها العولمة، تلك العناصر التي تم اختيارها بدهاء وحنكة، فقد طالعتنا الأخبار بإضافة عنصر جديد لبرنامج تلك العولمة، وذلك العنصر المستحدث هو الكتاب لما له من أثر بالغ في حياة البشر.
وبالطبع من أجل تحقيق الهدف في نشر تلك العولمة وتعزيزها فقد تم تجنيد عدد لا بأس به من دور النشر في الولايات المتحدة، حيث نجد أن ظاهرة استخدام الكتاب قد أصبحت ظاهرة معتمدة للوصول إلى تطبيع الشعوب بمفاهيم بعيدة عن الواقعية، علماً بأن من يسعى إلى تعميم تلك الظاهرة قد نسي أن الشعوب لديها خصوصياتها ولديها الحدس الكافي لمحاربة هذه الظاهرة.
وهنا نسأل عن النمطية التي اتخذت كمبدأ لنشر تلك الظاهرة، ترتكز هذه الظاهرة على تأليف كتب ذات عناوين برَّاقة ينطبق عليها المثل المشهور (ليس كل ما يلمع ذهباً) من مثل: كيف تسترخي، كيف تصبح خطيباً، وأذكر بهذه المناسبة أن هذه الظاهرة ظاهرة العولمة والتي تعتبر الولايات المتحدة محورها وحجر الرحى فيها، أن الولايات المتحدة ولتعميم ثقافتها ومفاهيمها على العالم، قد بذرت بذور هذه الظاهرة قبل عدة سنوات، وذلك بتوزيع قوائم بكتب مطبوعة في أمريكا يتم إرسالها مجاناً إلى من يطلبها وبالطبع كلها تعرّف بأوجه الحياة الأمريكية وأساليب حياة المواطن الأمريكي وتصويره بأنه يتبوأ رأس الهرم الحضاري بتصرفاته وأخلاقه.
إذن لا غرابة أن نرى اليوم هذا التسارع في عولمة الكرة الأرضية عن طريق المطبوعات وكأنها وجبات سريعة يلتهمها الإنسان دون أن يدري سلبياتها، وإني أتساءل كيف يمكن لإنسان أن يصبح خطيباً إذا لم يكن لديه ملكة الخطابة التي تتطلب مهارات ذاتية وهبها الله للإنسان من فن متكامل يشمل ثقافة واسعة ونبرة صوت ومعرفة الإنسان متى يرفع صوته ومتى يخفضه وما يتبع ذلك من إشارات في تعبير قسمات الوجه وما إلى ذلك.. وأيضاً كيف يمكن للإنسان أن يسترخي وهو يتناول وجبة طعامه، وكيف يصبح محبوباً إذا لم يكن لديه بالطبع ما لم يحببه للآخرين، وفي الوقت ذاته كيف يصبح الأقوى إذا كان في الأصل غير مهيأ لذلك الدور؟ وهكذا نسأل كيف يملك الإنسان الثقة إذا كانت شخصيته ضعيفة، لقد لفت نظري من بين هذه العناوين (كيف تصبح قيادياً) هذه الميزة التي لا يمكن لأحد أن يتحلَّى بها إلا إذا كان الله قد وهبه تلك الحكمة والبصيرة التي تهيئه إلى ذلك المنصب، وكلنا نعرف أن الله قد وهب سليمان الحكمة وهو ما زال صبياً في الحادية عشرة من العمر عندما تدخل بأمر من الله واعترض على حكم أصدره والده داود على أحد الرعاة الذي ترك غنمه تدخل بستاناً فأكلت كل ما وجدته وأتلفت المحصول.. حكم النبي داود لصاحب الأرض بأن يأخذ الغنم ولكن سليمان كان له رأي آخر وهو أن يأخذ صاحب الأرض الغنم لمدة تسمح له فيها أن يسترد ما خسره وذلك ببيع لبنها وصوفها ومواليدها، فما كان من والده إلا أن بارك ذلك الرأي وقضى به.
إن العناوين التي تطرحها هذه الظاهرة وتبشّر بها بأن الإنسان يستطيع أن يصبح كذا وكذا بقراءته لكتاب أو كتب إنما هي ظاهرة لا تستند إلى أسس علمية، إذ إن الإنسان لا يستطيع أن يعلّم نفسه بنفسه بقراءة كتاب؛ لأن الوصول إلى المرتبة المطلوبة في كل العناوين المطروحة تحتاج إلى مرشدين ومدرسين ومشرفين ومعلمين وموجهين من ذوي الاختصاص الذين يستطيعون أن يشرفوا على تحقيق الأهداف المرجوة والوصول إلى النتائج المطلوبة، وكم من إنسان اقتنى كثيراً من الكتب وكدسها دون أن يكون له حاجة لها، وبهذا فقد أصبحت تلك الكتب سلعة للاستهلاك، وإني أقر أن قراءة الكتب أمر مستحسن ولكن أي كتاب - علينا أن لا نسمح للكاتب أن يختارنا حتى لا نكون ضحية لذلك الاختيار، وبالعكس يجب علينا نحن أن نختار الكاتب حتى نقرأ ما ينفعنا دون أن ننسى أن الإنسان يحتاج دائماً إلى من يعلمه، وهذا ما فعله الله عزَّ وجلَّ عندما أرسل لكل أمة من يعلمها، أرسل للإنسان الأنبياء معلمين ومرشدين، ويحضرني في هذا قول أحد الفلاسفة (أعطني مئة طفل لأجعل منهم الأساتذة والأطباء والمهندسين، بل حتى اللصوص)، نعم لا يستطيع الإنسان أن يتعلّم بنفسه فهو يحتاج دائماً إلى من يعلّمه.