تحليل - وليد العبدالهادي:
يعاني نصف الكرة الأرضية الشمالي هذه الأيام من شتاء قارس حتى من الناحية الاقتصادية وخلل في ميزان العرض والطلب خصوصاً في النفط (الذهب الأسود) والذي نتج عنه صراع في إمدادات النفط بين دولتين القاسم المشترك بينهما هو الثلج، مما أعاد النشوة لأسواق النفط وأعاد هيبة المضاربين في خاماتها والنتيجة قمم سعرية جديدة، ومن الإيجابي أن نتعامل مع الأصول الاستثمارية كما يتعامل الإنسان مع الكائنات الحية حيث الأصول في أسواق المال بنهاية المطاف هي من إعداد وتوجيه وسلوك المستثمر داخل أروقة البورصات، لذا يمكن وصف ما يحدث في الدولار هو كبت نفسي وتشنج في التعاملات اليائسة حيث ما يبنيه اليوم يتم هدمه غداً. ولمزيد من التفصيل والتوضيح دعونا نأخذ صورة مكبرة لأحداث هذا الأسبوع لنعرف ماذا يدور خلف أهم العملات الأجنبية في العالم:
الدولار الأمريكي
توقف فجأة بين مناطق سعرية حساسة تمتد من 75.75 إلى 79.25 أمام سلة عملاته وتضم هذه المنطقة متوسطات (50-100-200) يوم وعلى المدى القصير مؤهل لمزيد من البيوع، والضاغط الأكبر عليه هو تحول المتحوطين منه إلى الذهب مع قرب أرقام سوق العمل نهاية الأسبوع حيث الخوف يعتريهم خصوصاً مع قرب النتائج المالية للشركات ويبقى مستوى 1.125 دولار للأونصة تذكرة خروج من حاجز المئة دولار. أما النفط والذي دائماً ما يتأثر ويؤثر في العملة الخضراء وهو الحدث الأبرز في هذا الأسبوع والإمدادات هي من خلف هذا النشاط الملحوظ، حيث قطعت روسيا إمدادات النفط عن روسيا البيضاء بسبب سوء أحوال الطقس المتجمدة هناك مما ساهم في وصول خام نايمكس إلى 83 دولاراً للبرميل وهي قمة جديدة منذ 9 أشهر لكن مع إعلان عن ارتفاع في مخزونات النفط الأمريكية حوالي 1.5 مليون برميل انخفض دون هذه القمة.
كانت البيانات الاقتصادية قليلة هذا الأسبوع وأهم ما فيها سيظهر بعد كتابة هذا التقرير لكن بالمجمل يمكننا الحديث عن طلبات الإعانة لآخر أسبوع في ديسمبر والتي بلغت 432 ألف طلب مقارنة بالرقم السابق 452 ألف طلب تظهر انخفاض ومؤشر جيد على إمكانية تلمس أرقام متفائلة بشأن معدلات البطالة وهذا الانخفاض كان بفعل القطاع الصناعي القطاع الأهم في أمريكا، أما مستويات الإنفاق على التشييد والبناء في نوفمبر انخفضت 0.6% بعدما كانت مستقرة في القراءة السابقة، ويعزى ذلك إلى تراجع النشاط في سوق المنازل في الفترة الأخيرة، ولدينا هنا مؤشر جديد على تحسن الصناعة الأمريكية ولا سيما أنه جاء قبيل موسم الاستهلاك وهو معدل الطلبات الصناعية حيث أعلن وفقاً لشهر نوفمبر عن نمو 1.1% مقارنة بالارتفاع السابق 0.6% ولابد أن ينعكس على النتائج المالية للموسم الرابع. وتفاعلت أسواق الأسهم هناك خصوصاً (داو جونز) بقمة سعرية جديدة. وفي جانب مشرق من هذا الأسبوع أعلن عن أرقام ADP الذي يقيس التغير في سوق الوظائف بالقطاع الخاص، وفي قراءة شهر ديسمبر تظهر أنه خسر 84 ألف وظيفة مقارنة بخسارة 169 ألف وظيفة للرقم الأخير من هذا التقرير دليل تقليص في حجم التسريح بل هناك نمو في عدد الموظفين الجدد خصوصاً للمتعاقدين على نظام (full-time)، وكما يبدو من الأرقام أنها متوازنة بعض الشيء انعكس ذلك على حركة منطقية في أسواق الأسهم لكن بالنسبة للدولار بعد فرحه بتعثر دبي العالمية واليونان والحذر الشديد من النتائج المالية مع نهاية العام كل هذه العوامل التي يقتات عليها الدولار وجهود ترتيب المتوسطات المتحركة في الحركة الفنية مع كل ذلك جاءت إمدادت النفط لتختنق في عنق زجاجة أبعدت المتحوطين عن العملة الخضراء مما جعلها تصاب بنوبة اكتئاب وتجمد في الحركة أمام سلة عملاته.
اليورو مقابل الدولار الأمريكي
لا يزال مستوى 1.37 مرصوداً في الربع الأول من هذا العام لكن ليس الآن لأن ما يعلن هذه الأيام من أرقام على الرغم من سلبيتها إلا أنه لم يظهر ما هو سيء في أرقام النتائج المالية للشركات منذ مارس الماضي، ويبقى مستوى 1.42 منطقة جيدة لعقد هدنة بين المشترين والبائعين.
الجنيه الإسترليني مقابل الدولار الأمريكي
مستوى 1.57 طال انتظاره وعنده ينتهي عمر الاتجاه الجانبي الذي استغرق ثمانية أشهر مملة، وهذا الزوج المجنون -كما يحلو للبعض- يستعد لرالي مشترين أبرز شروطه تخطي مستوى 1.645 على المدى المتوسط أي خلال بضعة أسابيع.
الدولار الأمريكي مقابل الين الياباني
رالي المشترين والذي بدأ من نوفمبر الماضي يبدو عليه الوهن خلال الأيام القليلة القادمة بعد وصوله إلى مشارف 93.10 وهي مقاومة صعبة، دليل ذلك ارتطام الزوج بخط الاتجاه الهابط كما يظهر في الرسم البياني، ويستهدف الزوج مستوى 90.10 في الأسبوع القادم عندها سيكسر اتجاهه الصاعد القصير.
اليورو
منطقة اليورو هذا الأسبوع لم يسمع لها صوت إلا من ألمانيا التي جاءت لنا بأرقام سلبية إلى حد ما نبدأ بمؤشر مديري المشتريات الصناعي في ديسمبر الذي توقف عند مستوى 52.7 بعد أن كان يلامس 53.1 ويظهر ضعف في معدلات الإنتاج وخفض في مستوياتها حيث المستهلكون الآن لا يعملون لمصلحة المنتجين والشيء نفسه في قطاع الخدمات لكن معظم التركيز ينصب على أي رقم يتعلق بالآلة الألمانية، لكن ما يخفف من الألم هو اعتقاد المستثمرين بأن ألمانيا وصلت إلى قمة معدلات البطالة عند 8.1% حيث ظهرت النتيجة مساوية في ديسمبر للقراءة السابقة، طبعاً ما حدث باليورو هو تحرك متطابق مع ما أعلن عنه خصوصاً وأن المنطقة الفنية للأسعار مغرية للاستجمام.
الجنيه الإسترليني
بعد عام كامل لم تتوج فيه العملة الملكية بشعبية هائلة من المضاربين كما هي العادة طيلة السنوات التي مضت يبدو أنه يفتتح هذا العام بلياقة عالية من حيث البيانات الاقتصادية ولا يفترض أن تكون إيجابية لكن المتعاملون في السوق يتمنون أية أرقام تزيح هذا الملل من هذه العملة، حيث أعلن عن مؤشر (nationwide) لأسعار المنازل لشهر ديسمبر بنمو 0.4% مقارنة بارتفاع سابق 0.5%، أما بشأن ثقة المستهلك وصلت إلى 69 بعد أن كانت عند مستوى 73، لكن لو نتذكر كيف كانت نتائج أداء المنتجين نهاية العام والتي تستبق نزعات المستهلكين كانت سلبية ولا تعطي انطباعاً عن أي حالة رواج في الاقتصاد، لكن لو طوينا الصفحة قليلاً واطلعنا على آخر الأرقام بشأن مديري المشتريات الصناعي في ديسمبر نجدها عند مستوى 54.1 بعد أن كانت تلف حول مستوى 51.8، كذلك الشق الخدمي من هذا المؤشر يقف عن مستوى 56.8 تظهر تحسن حالة الإنتاج مع آخر الشهر ولابد أن نراقب ما سيحدث خلف نوايا المستهلكين قريباً. والقطاع العقاري أيضاً نال ما يعجبه حيث ارتفعت عدد الموافقات على القروض العقارية في نوفمبر إلى 60.5 ألف موافقة دليل على أن الطلب من الممكن أن يرتفع في الأجل القصير على المنازل. ومن وجهة نظر خاصة وبناءً على الأساسيات والحركة الفنية يمكن أن يسيل لعاب المضاربين تجاه هذه العملة في هذا الشهر.
الين
السحب الركامية تبددت من سماء طوكيو بمجرد تسجيل قمة جديدة للمشترين عند مستوى 10.751 نقطة لمؤشر الأسهم اليابانية الأبرز (نيكي) وبعد خطة دعم المركزي الياباني الضخمة والتي أعلن عنها مع نهاية العام، لكن ذلك لا يكفي حيث البيانات الاقتصادية شحيحة هذه الأيام والترقب يحيط بنتائج الشركات الكبرى هناك، أما بشأن العملة فقد تلقت مضايقات بيعية من قبل الدولار والجنيه الإسترليني ومرجح أن تستمر تلك المضايقات دون ردع للأسبوع القادم.
(تم إعداد هذا التقرير منتصف جلسة الأسواق اليابانية أمس الأول الساعة 4 صباحاً بتوقيت جرينتش)