لا أحسب أن جديدا تبتدعه نواميس البشر في الحياة حين يكون الخلاف على معتقد، والاختلاف على منهجه، وتحديداً حين تكون اللغة التي يقرأ بها الطرفان ليست على لسان واحد.. فقد اختلف وتخالف حد العداء أبناء اللغة الواحدة، فكان المعجز الأجْلىَ لهذه الحقيقة، هو نزول القرآن الكريم بلغة العربي الفصيح، نقي السليقة فيها، سليم المنهل منها، حتى أذن الله للإسلام أن يتسلل نوره للصدور, حين شرح الله بنوره إليه صدور أمة الإسلام، منذ بدء الدعوة سرا, إلى اجتهاد الدعاة على مر العقود جهرا... لذا، فإن الخلاف على منهج الإسلام، ومن ثم استهداف كتاب الله، يجيء بفعل البشر من الطرفين، ومحور هذا الخلاف، والاختلاف، هو فشل المسلمين في العمل على ظهورهم بالصورة التي جاء عليها قدوتهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بدءا بوعيه برسالته, وإيمانه بها، ثم بمنهج سلوكه في التعبير عنها، خلقا لا تشوبه نزعات غل، ولسانا لا ينطق بسوء، وحجة لا تميل لتحقير ضد، وتمثلا لمعتقده لا تنطق بغيره ظواهر قوله، ولا أشكال فعله، لا يتبدل مع ميل، ولا يتلون في حضور غير،.. اكتسب احترام المخالفين، وخضعت له جنان المدركين..
اليوم، هناك تكثيف يحاصر المسلمين، وعنهم يحارب الإسلام..، وليست هذه شيمة مُثلى, ولا حمية فُضلى للمسلمين،.. وهم في زمن تفتحت فيه طرق للتيارات، والقناعات، والاختلافات، يعززها ميزان القوى التي على الأرض، فالإسلام الذي بدأ غريبا، هاهو يتشظى بين المسلمين, إما تفريطا, وإما مغالاة، بما ترك الباب مفتوحا للنيل القاسي من دستوره المقدس، كتاب الله، لكنه في حفظ الله، مع أن على المسلمين واجب التسور من حوله، فحالتا التفريط والمغالاة وضعتا المسلمين في خانات الترصد، والترقب، والتوجس، وعدم الثقة فيهم.., وهذه خاتمة مسيئة في زمن انتشار الوعي، واتساع التحضر, وتقنين حرية الأديان.
ومن بدع مناهضي الإسلام ما يتعرض له كتاب الله العظيم.. ولعل واحداً مثل (روبرت سبنسر) الأمريكي المتطرف الذي تتناول جميع وسائل النشر والاتصال أمر كتابه، ومضمون فهمه، وعناصر اختلافه مع كتاب الله المحفوظ، إنما يجد هذه المسارب، بسبب خلو ساحة الفكرالعالمي, من اللسان البليغ من المسلمين القادرين على الحوار الواعي، والتعبير المؤثر بصدقه، ونقل الحقائق المخالفة لما يقول الضد، بتمكن، وقوة, وحجة من يقول بحكمة ووعي، وتأدب مع الصفة التي يحملونها، فليس الإسلام غير دين سلام، وأخلاق، وحرية, واحترام, ونظام، وسلوك مهذب مع القريب, والبعيد، مع من هو معه، ومع من هو ضده., وهو يرفض الاعتداء، ويحرض على التسامح، ويدعو إلى الحكمة، ويوجب على المتصفين به تمثل الإيمان بما قال تعالى {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}.. بما تقره طبيعة الحياة العصرية, كي تعود الحياة له بسلام، ويبقى التعامل معه باحترام وسلام.. فأين هذا اللسان المؤمن، الصادق، التقي، الواعي، المهذب، المسالم، ذو الحجة، العارف بحدوده، الملتزم بقيوده، لا غلوَّ ولا تفريط..؟ ولا تفريط ولا تخاذل..؟ ليقف تيار الضد أو تخفت ناره، ويرتفع منسوب الاحترام ومهابة الآخر للمسلمين ومن ثمة لدينهم..؟