الصغيرة مها ترفع رأسها نحو من تتحدّث إليه، ترفض أن ينحني ليصلها، أو يرفعها لتصل إليه، ذات مرّة قالت لي: لا تفعلي فلديّ أذن تسمعك، ولي عقل يفهمك، قلت لها: لكنني أرغب في رؤيتك تعبِّرين عمّا تقولين، أحياناً يا مها نفهم الآخرين ونحن نتطلّع لهم، قالت: وكيف يفعل العميان؟..
أسقط في يدي، انبهرت بذكائها وحجّتها، لكن مها أدركت ذلك فأمسكت بيدي ثم شعرت بحركتها أنها ترغب في أن نجلس بجوار بعضنا، وفي ذلك يمكننا التحدث وجهاً لوجه، فعلت فإذا بها تسألني: عندما كنتِ صغيرة في مثل عمري، كم ساعة كنتِ تقضينها تحدثاً لمن حولك؟.. أخبرتها.. فبدأت تفضي برأيها: أنا أحب أن أجلس مع الأكبر لأنني أتعلّم بسرعة، فبدلاً من أن أقضي مرات لمعرفة شيء أقرأه ثم أراه، ثم أسمعه، يكون العمر قد فاتني، ضحكت وأنا ألمّها نحو صدري، فابتعدت قليلاً تقول: أفرح بالكبير الذي أحبه عندما يشعرني ببهجته مما أقول، لكن في حالة واحدة هي عندما أشعر أنّ الكبير فرح دون أن يندهش لأنني أصغر منه، قلت لها دهشة الكبير فرحة بنضجك ووعيك السابقين لعمرك، قالت: لا لا، أبي قال لي إنّ الله تعالى قد خلقنا في وقت واحد في ظهر سيدنا آدم، فنحن في عمر واحد، وأبي يعاملني على أنني كبيرة،..
ومها ابنة الثامنة تقضي من وقتها الجزء الأكبر في درسها وقراءة ما يحصده لها أبوها، ثم تجلس كثيراً إلى من تنتخب أسرتها التعامل معه من الأصدقاء والجيران والمعلمين،.. سألت مها قبل أن تذهب إن كانت تخبرني عن أجمل ما في مقتنياتها؟ فذكرت لي: لا تتوقّعي حلوى ولا ألعاباً،...
مها تضع مع والدها جدولاً أسبوعياً لزيارة المكتبات، واختيار مجموعات القراءة، ولهما مجلس للنقاش، أبوها حين يتحدث إليها يحرص دوماً أن يجلس بجوارها درءاً لمفارقات مها تقفز عليها بذكائها. مع أنّ مها يتيمة الأم إلاّ أنها تقول: أمي في الجنة ونحن نستعد ونعمل لنكون معها هناك.
من ترى يستطيع أن يتعامل هكذا مع مدارك ومشاعر أبنائه.
قرّائي الأعزاء بعد أسبوعين سوف نلتقي
أقدِّر متابعتكم جميعكم..
أعد بمناقشة كلّ من كتب لي كما تعوّدتم، معتذرة عن التأخير عن ذلك.