غني عن البيان أن شباب وشابات الأمة وهم ثروتها التي لا تفرط فيها، فهم عزوتها وعمادها في تحقيق العزة والنماء للوطن.. وتوظيف شبابها وشاباتها هو قدر كل أمة ومآل شعبها في تسلق سلالم العيش الكريم، لذا يحز في النفس
ويعز على الوطن أن يبقى شاب عاطل عن العمل أو شابة.
وبالرغم من أن عملية التوظيف لم تتوقف قط من قبل أجهزة الدولة وقطاعاتها، ولكن ثمة لوحات يومية تخرج على الإعلام المقروء والمرئي تظهر معاناة بعض شبابنا وشاباتنا من العطالة وشح مصادر طلب الرزق، فعبد العزيز وسامي على سبيل المثال شابان من مدينة النماص أحدهما خريج كلية معلمين والآخر كلية تربية، نشرت صحيفة الجزيرة في عددها الصادر يوم 21-2-1431هـ، تعطلهما لأربع سنوات منذ تخرجهما، حيث فشلت كل محاولاتهما في العثور على وظيفة معلم يعتاشان منها، وأنهما يفاجآن كل عام بمعايير واشتراطات جديدة وأن مشكلتهما أنهما لايجيدان سوى مهنة التدريس في القطاع التعليمي، واللوحة الثانية هي لسيدة مطلقة قالت: إنها سعودية ترعى ابنها اتصلت في يوم 19-2-1431هـ، ببرنامج (نواعم) من محطة تلفزيون mbc مبدية استعدادها للتبرع بإحدى كليتيها أو جزء من كبدها في سبيل الحصول على وظيفة تعتاش منها وتربي ابنها، وهناك مئات اللوحات من هذا النوع تظهر هنا وهناك في مدننا وأريافنا تحتاج إلى مباشرة فورية لعلاجها.
نظريا، المفترض أن تكون الأجيال السعودية الشابة محظوظة في بلدها، إذ هي موعودة بمستقبل وظيفي باهر، فهناك أكثر من (7) ملايين وظيفة يحتلها حالياً عمال أجانب، جميعها تشكل فرصاً مستقبلية لشباب وشابات الأمة.
أما عملياً فيبدو أن جهود الجهات المعنية في القطاع الخاص تواجه صعوبات في تحقيق الوظيفة لكل من طلبها بدليل أنها أعلنت أن نسبة البطالة بين الذكور 01% وبين الاناث 72%.
وبالرغم من أنه ليس ثمة بلد نأت عن البطالة، ولكنها إذا دقت اطنابها وتجاوزت نسبتها (3%) فإنها قطعاً تستنكر، وستعكر بالتالي صفو الحياة بين أناسه، وستخلق مشاكل اقتصادية واجتماعية بين شرائح المجتمع فتؤخر خطاه في مسارات التقدم والرقي.
في ظني أن الوضع بات يحتاج إلى تبني حملة وطنية للتوظيف، تستنفر فيهاكل قطاعات الدولة، ليس من أجل الاجهاز على البطالة القائمة ولكن ايضاً لرسم خارطة طريق انسيابية مستقبلية تضمن للحكومة استيعاب كل شاب أو شابة يدخل سوق العمل السعودية في وظيفة يعتاش منها.
ولعلي فيما يلي أدلي بدلوي في هذه الخارطة وهو ما وعدت به القراء الكرام في المقالة السابقة، فأقترح التالي:
لابد من الإحاطة بحقائق مجمل قوة العمل وحصر العاطلين مصلحة الإحصاءات العامة قدرت سكان المملكة عام 2007م بـ(23980834) شخص تقريباً، عدد السعوديين بينهم (17493000) شخص، وعدد الاجانب بينهم (6487470)، شخص أي بنسبة 27.1%، هذه الأرقام مستمدة من موقعها الالكتروني.
أما عدد السعوديين الذين في سن العمل - اي من سن 15 حتى 65 - من ذكور وإناث فيقدر بحوالي (10352000) شخص، هذا العدد من السعوديين الذين هم في سن العمل يشكل مجموع القوى الوطنية العاملة والواعدة، حيث منهم من دخل فعلاً سوق العمل فارتبط بعمل ما سواء في وظائف ومهن القطاع العام العسكرية والمدنية أو في وظائف ومهن القطاع الخاص، ومنهم من هو محتمل دخوله هذه السوق يوماً ما وقت الحاجة للبحث عن عمل.
أما العاطلون عن العمل فيظهر عددهم من واقع بيانات وسجلات المسجلين لطلب عمل ولم يوفقوا في وظيفة، ولكن لايمكن اعتبار أولئك الذين سجلوا طلباً للوظائف في القطاع الخاص أنهم هم العاطلون وحدهم، فمثة أعداد كبيرة تسجل نفسها في انتظار حظوظها في وظائف الخدمة العسكرية وأعداد أخرى في وظائف الخدمة المدنية، فيجب احتسابهم عاطلين، ناهيك عن آلاف الإناث في منازلهن محتاجات إلى عمل ولكنهن يعتقدن أنه لافرص لهن فيه لذلك فلم يراجعن سجلات التوظيف فيجب احتسابهن عاطلات.
ولما أننا نجهل العدد الكمي الذي تشكله نسبة البطالة المعلنة أعلاه إلا أننا نفترض ان العاطلين والعاطلات المنتظرين وظائف عددهم في حدود (200.000) شخص، وهكذا فقد باتت الحاجة إلى دعوة مختلف قطاعات الدولة العامة والخاصة للمساهمة في حملة توظيف من أجل الإجهاز على هذا العدد واستيعابه في وظائف، كل حسب صلاحياته وإمكاناته ولوائحه، ولعلنا نفصل ذلك وفق التالي:
القطاع الحكومي هو الصف الأمامي في حملة التوظيف:
هذا القطاع الحكومي ليس مفترضا فيه وحده القضاء على البطالة ولكنه يعتبر في نظر الوطن أحد روافد التوظيف لأبناء الأمة بشقيه العسكري والمدني، وهكذا فهو يشكل المقدمة في استيعاب حاجته من طالبي العمل سواء في الشاغر من الوظائف أو المستحدث، وهكذا فهو قطاع واعد لشباب الأمة وشاباتها.
فإذا أخذنا قطاع الجيش والحرس فإن طبيعة مهامه تظهر حاجته للنمو والتوسع، فقد ظهر المتربصون ببلادنا ويحتاجون إلى ردع، ولعل أحداث الجنوب أقرب دليل، فالقطاعات العسكرية في جيش البلاد من برية وجوية وبحرية تنمو بطبيعتها وتتطور وتزداد احتياجاتها سنوياً إلى سواعد بشرية وطنية من ذكور وإناث، تعد وتهيئ بالتأهيل والتدريب للدفاع عن الوطن وردع المعتدين.
فقد ثبت أنه بالرغم من تطور قدرات الآلة العسكرية الا أنها عجزت أن تختزل السواعد البشرية، إذن الجيش يمكن أن يستوعب عدداً كبيراً من شباب الأمة بصورة متجددة وتمشياً مع توسعة.
وكذا قطاع الأمن الداخلي المعهود بها حفظ الأمن ومكافحة الجريمة ينمو هو الآخر لطبيعة مهامه ويحتاج إلى توظيف متواتر من شباب وشابات الأمة، لنشر المزيد من قوة الشرطة ومراكز الأمن في مختلف أحياء المدن وعلى تخومها لحفظ النظام ومكافحة الإجرام والسرقات والايقاع بالمجرمين ومعاقبتهم، وتحقيق سلامة مرورية في وشوارع المدن والطرق السريعة، فأعداد السكان تنامت والمدن في بلادنا اتسعت رقعتها، والأجانب زادت أعدادهم، وكثرت الجرائم بين بعض، إذن يتولد من تلكم المهام المنوطة بالأمن الداخلي المزيد من الوظائف العسكرية بحيث تشكل فرصاً وظيفية واعدة لشباب الوطن وشاباته لخدمة وطنهم والحفاظ على أمن مواطنيه.
أما الوظائف المدنية الحكومية من تعليمية وصحية وهندسية ودبلوماسية وإدارية ومالية في مختلف وزارات الحكومة ومصالحها فتتواتر احتياجاتها السنوية من سواعد وطنية من ذكور وإناث، ولاشك أنها هي الأخرى تشكل فرصاً وظيفية واعدة لطالبي العمل وفق ما يشغر من وظائف بسبب التقاعد أو مما ينشأ من وظائف جديدة بحكم التطوير والنماء.
القطاع الخاص تلزمه أنظمة الدولة
توظيف السعوديين قبل الأجانب
منشآت القطاع الخاص تلزمها أدبيات حقوق المواطنة وأنظمة الدولة عند مزاولتها لأنشطتها التي أتاح لها الوطن الكسب منها أن تعتمد على سواعد المواطنين وتوظفهم، أما استقدام عمال من الخارج فهو استثناء لايتم الا بعدم وجود طالب عمل سعودي مناسب للوظيفة، وعليه فيجب أن يدرك أصحاب العمل بأنه لامندوحة من استيعاب طالبي العمل السعوديين، فهذا حق أولي ضمنه لهم أنظمة بلادهم، وفق النظام الاساسي للحكم والمادة (3) من نظام العمل.
لقد ظل الاسلوب التقليدي في توظيف طالبي العمل السعوديين في وظائف القطاع الخاص الذي تقوم به مكاتب العمل يواجه الشد والجذب بالرغم من أن وزارة العمل تجتهد في تفعيله عن طريق ترشيد الاستقدام، وذلك بتنويع المتطلبات والمستندات تارة، وباختزال التقديرات تارة اخرى لإقناع صاحب طلب الاستقدام بتوظيف سعودي بدلاً من وافد، سوى أن تلكم لم تمنع من يخطط بالمتاجرة بالعمالة من تأمين كل متطلب والايفاء بكل شرط فلا يكون أمام مكتب الاستقدام الحكومي سوى الموافقة وإن كان بعض الموافقات تتم على مضض.
كما أن الملاحظ من وزارة العمل تنسيقها مع زميلاتها الأجهزة الحكومية الأخرى لتفعيل نسب السعودة وجعلها إلزامية في عقود المقاولين مع الدولة، وذلك سعياً إلى دفع المزيد من طالبي العمل السعوديين إلى وظائف القطاع الخاص إلا أن عملية توظيف السعوديين واجهها تعنت من قبل بعض أصحاب المنشآت من فئة ضعفاء النفوس، فعمد بعضهم إلى المراوغة عن طريق توظيف اناس برواتب رمزية لا يشترط مباشرتهم العمل وذلك من أجل تحقيق هذه النسبة، فبات ثمة وظائف في القطاع عليها اسماء سعودية ولكن دونما أن يكون لهم دور عطائي في العملية الانتاجية الوطنية.
إذن في ظل هذه المرواغة والتسويف بات على وزارة العمل وهي المنوط بها هذه المسؤولية أن ترسم خارطة طريق جديدة تضمن لها متابعة ميدانية لما يجري في سوق العمل وإلى دفعه لاستقبال المزيد من السعوديين، تستمد مسالكها من أحكام نظام العمل القائم الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م-51)، في 23-8-1426هـ، ونشر مفتشيها بصورة متواترة على منشآت القطاع لإلزامهم بحزم بتنفيذ التالي:
- المادة (25) من النظام تلزم كل صاحب عمل أن يرسل إلى مكتب العمل بيانات عن عماله وبيانات بالوظائف الشاغرة والمستحدثة، وإشعاره بما اتخذه بشأن توظيف المواطنين الخ.. ومن يخالف أحكام هذه المادة وضع النظام عقوبات مالية تضمنتها المادة (232) منه.
- المادة (198) من النظام تحق لمفتش العمل دخول أي منشأة خاضعة لأحكام نظام العمل، والقيام بأي فحص أو تحقيق للتحقق من سلامة تنفيذ أحكام نظام العمل، والقيام بأي فحص أو تحقيق للتحقق من سلامة تنفيذ أحكام النظام والاطلاع على جميع دفاتر وسجلات ووثائق المنشأة الخ.. وقد وضع النظام غرامات مالية ضد من يخالف أحكام هذه المادة تضمنتها المادة (239) من نفس النظام.
هناك الشركات الكبيرة من مقاولات وتصنيع وبنوك التي تضم كوادر عمالة وافدة تعد بآلاف مطلوب من وزارة العمل عبر مكاتبها دفعها بحزم لتحقيق المزيد من السعودة، وإن كان بعضها قد أبدى تجاوباً تشكر عليه في توظيف الشباب السعودي وتبني برامج تدريب لتأهليهم، الا أنه مازال عشم الامة في باقي هذه الشركات وهي كثر أن تبدي المزيد من عمليات التوظيف وذلك تجنباً أن تفاجئهم الحكومة اذا فقدت صبرها بتطبيق عقوبات جديدة على من يتعنت.
في الختام اللهم أدم على هذه الأمة عزها وأمنها ووفق ولاة أمرها إلى ما يحبه ويرضاه.
- وكيل وزارة العمل سابقاً وعضو مجلس الشورى سابقاً.
- لإبداء الرأي يمكن المراسلة على البريد الالكتروني www.ahnyanya@yahoo.com