يرتفع الضغط السياسي مع تقارب العد التنازلي لموعد الانتخابات العامة في العراق في السابع من مارس الجاري، فقد شهدت بغداد والمحافظات نشاطاً ملحوظاً لحركة التنافس الانتخابي، والذي أظهر مؤشرات جديدة يلاحظها كل مراقب إعلامي عايش سير الحملة الانتخابية، من أهمها تراجع التأثير للقوائم المذهبية المدعومة من طهران وبالذات في مراكز نفوذهم في مدن الجنوب، وجاء إعلان مجلس أعيان البصرة الذي بثّه الشيخ كاظم آل رباط ومناداته لسكان البصرة بعدم إعطاء أصواتهم لدعاة المذهبية والطائفية وحملة التابعيات الأجنبية، نموذجاً فعلياً وأداة واضحة لهذا الرفض الوطني لهم.
أما الناخب العراقي الذي عانى من فوضى الأمن وعدم الاستقرار وارتفاع نسب البطالة مع انعدام أبسط الخدمات العامة، كل هذه المؤثرات السلبية صقلت وعيه الوطني والسياسي وأصبح يميز بين الفاسدين والمخلصين، وأعلن رفضه لمخططات الاحتلال الأجنبي أمريكياً كان أم إيرانياً، وابتعد كثيراً في تأييده للمشاريع المذهبية والطائفية التي تتبنّاها الكتل والائتلافات السياسية التي رضعت من الثدي الفارسي، والذي دفعهم غباء السياسة المتسلّطة واللاعقلانية التي نفذها العهد البعثي واستقبلتهم أجهزة اطلاعات الإيرانية لتجعل منهم طابوراً خامساً ولتزرعهم في بطن السياسة العراقية لتحيلهم فأس هدم للدولة العراقية، وقد جاء رفضهم سريعاً من كافة أبناء الشعب الذي طبّق روح القول المأثور (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين)، وتوحّدت كافة الكتل الوطنية للعمل الجاد من أجل تحقيق (التغيير) في مرافق السلطة الحالية وبالشكل السّلمي لتحقيق الأهداف السامية لعودة الحكم للكفاءات الوطنية التي وضعت مشاريعها وبرامجها الانتخابية من أجل تحقيق المصالحة الوطنية الطريق السوي والصحيح لتثبيت أسس الأمن والاستقرار وتحقيق السلم الاجتماعي بالعدالة والمساواة بين أفراد الوطن العراقي دون تمييز عرقي ومفاضلة مذهبية!
وأبرزت هذه الحملة الانتخابية شدة المنافسة بين قوى سياسية تعتمد المذهب أساساً للوصول إلى إرادة الناخب ودغدغة مشاعره، بالتأكيد من حملاتها الانتخابية على مناهضتها لعودة البعث للساحة السياسية مرة أخرى عن طريق اندساس بعض أعضائه في القوائم الوطنية المعارضة، ولكن وعي الناخب الوطني فوّت عليهم هذه الأساليب غير الأخلاقية في ممارسة حقهم الانتخابي، وتحوّلوا لاستخدام المال العام في تقديم رشاوى نقدية وعينية لشراء أصوات الناخبين، وكان رفض المواطنين لهذه الأساليب الغريبة عن أخلاقهم وعاداتهم وإشعارهم بأنّ صوت الناخب سلاحه السلمي من أجل تنفيذ خطة التغيير وعودة الحياة للدولة العراقية من جديد، ورافق شدة الحملة الانتخابية ظاهرة البذخ من مظاهر الدعاية الانتخابية والتي تقدّر بملايين الدولارات وتميّزت كتلة حديثة في العمل السياسي (كتلة أحرار) بتشكيل هيئة تنظيمية دولية للإشراف على حملتها الدعائية بعض أعضائها من منظمي حملة الرئيس الأمريكي أوباما، وبتكلفه سخية تصل إلى مائتي مليون دولار والناخب الجائع يصرخ بنداء الاستغاثة لتوجيه هذا التمويل الانتخابي لسد احتياجات المواطنين من دواء وغذاء!
أظهرت الاستطلاعات الإعلامية عن تقدم ثلاث كتل سياسية وهي الائتلاف الوطني العراقي بزعامة السيد عمار الحكيم ودولة ائتلاف القانون بزعامة رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي والقائمة العراقية برئاسة الدكتور إياد علاوي، وتبدو المنافسة الانتخابية تزداد في شدتها بين هذه الكتل الثلاث على تحقيق الرقم الأعلى في عدد المقاعد البرلمانية التي تحصدها هذه الكتل لتولي تأليف الوزارة الجديدة القادمة والتي ستكون بالصيغة الائتلافية من كتلتين سياسيتين من الوسط والجنوب وبمشاركة مفضلة من القائمة الكردستانية لضرورة كسب ثقة نصف عدد مقاعد البرلمان زائداً صوت من مجموع المقاعد البرلمانية البالغ عددها 325 نائباً، يتنافس للفوز بها أكثر من ستة آلاف مرشح ينتمون لأكثر من ثلاثمائة كيان سياسي. ويميز جهاز استطلاع الرأي بتقديم القائمة العراقية بقيادة علاوي والمطلق عن ائتلاف دولة القانون برئاسة المالكي والائتلاف الوطني العراقي بزعامة عمار الحكيم، وتؤكد دور الاستطلاع نفسها على بروز مفاجأة انتخابية بتقدم (كتلة أحرار) بزعامة السيد إياد جمال الدين الذي قدم وعوداً سخية للناخبين ومن أجل تحقيق الخدمات العامة والقضاء على البطالة في غضون عامين وتثبيت الأمن الاجتماعي بين كافة المواطنين، مدعوماً بتنظيم دعائي واسع تشرف على تنفيذه شركات أوروبية وأمريكية بنشر حملة انتخابية منظمة، ورياح التغيير تحركت نحو شمال العراق لتؤثر على زعامة البرزاني والطالباني بمشاركة قائمة جديدة قوية التأثير على الناخبين الأكراد وتحت مسمى (كتلة التغيير) بقيادة الزعيم الكردي أنوشيروان مصطفى ... هل يأتي التغيير الوطني لأهل العراق ويوضع قطار السلطة الجديد على سكته العربية المنتظرة قدومه على محطة الأمان!
محلل إعلامي - عضو جمعية الاقتصاد السعودية - هيئة الصحفيين السعوديين