لم تكن تلك الأيام والليالي الطويلة التي قضاها ذلك الرجل (الجاد) عاكفاً على البحث والتقصي عن المعلومات والحقائق (الغائبة) بعصية عليه؛ فظل متوشحاً العزم كاشفاً بذا الجهد دروباً ومسالك جديدة جلاَّها بقبس متوهجٍ سيظل -إلى الأبد- يدلُّ التائهين (العازمين) على هذه الإنفاق ليسهموا بإنجازات حية سيذكرها الزمان حتى وإن أنكرها بنو جلدته.
(الماضي).. ياله من رفيق وفيٍّ صادق الوعد فلم يسبق أن نَكَثَ في عهده أبداً.. فسيظل يذكرهم ويذكرونه ما دامت تلكم الكتلة من الهواء تتدحرج على تلك المسطحات الخضراء والكل يرفع صوته عالياً ويصفق لها، متوجين فرسانها في كل عام بحفل اختزال !.
لن أذخر حديثي في هذا المقال (المختزل) عن أهمية البحث و(البلطمائية) المُمِلَّة التي تتردد باستمرار على مسامعنا ليل نهار، ويعرفها القاصي والداني، تُلخص الفضل الذي يحيط بهذا الحقل المعرفي (الخِصب)، ولا أريد أيضاً أن أخلط بين الأمور وأبالغ فيها، فالمجتمع الآن أصبح أكثرا وعياً وتفتحاً من ذي قبل، فلديه القدرة على التفريق بين الصواب والخطل، ولا أريد أيضاً أن أشرع في (فَلْ) هموم الباحثين السعوديين الذين تغص بهم الجامعات والكليات الحكومية والأهلية والمراكز المتخصصة؛ فيعجز الفرد من هذه العصبة (الكادحة) على طباعة كتابٍ أو بحثٍ يخصه، هو قبل أن يكون على علاقة وثيقة بعقله وقلمه جدير بذلك وزيادة، فالتشجيع غير مدرج على خارطة الطريق لديهم حتى ولو كان ذلك التشجيع معنوياً لا مادياً، فمراكز البحوث والأندية الأدبية لا تطبع إلا النزر اليسير من هذه البحوث وهذا النزر مع الأسف الشديد هو أيضاً غير جدير بهذه الخصوصية ودور النشر تبحث - بطبيعة الحال - عن المربح لا المسعف معلوماتياً وبحثياً وهذه حقيقة مرة يجب علينا قبولها وتجرعها حتى وإن لم ترق لنا، فالباحث الجاد لن يطمع إلا بطباعة بحثه وتوزيعه، فهو غير مكترث بتكريمٍ أو تغريم فكل ما يملأ لُبَّهُ هو العمل البحثي.
فلماذا لا تكون هناك هيئة حكومية متخصصة في هذا الشأن بميزانية مستقلة وبكادرٍ (نزيه) بعيدٍ عن المحاباة والمجاملات، لا تنتظر الباحثين لكي يأتوا إليها ويستجدوها بل تبحث وتفتش عنهم ليكون ذلك جزءاً لا يتجزأ من اهتمامات هذه الهيئة ويشمل ذلك مختلف التخصصات والمجالات، وأن تتبنى أيضاً جائزة تشجيعية باسم (الباحث المتميز).. إذاً فهي رسالة إلى الجهات ذات العلاقة والاختصاص لدراسة هذا الاقتراح والأخذ بيده لعله يسهم في تحريك عجلة النهضة البحثية ويفرج عن ذلكم الكم الكبير من الرسائل العلمية (المحكمة) التي تغص بها أدراج المكتبات المركزية، فشتان بين رجلٍ يبذل الغالي والنفيس لكي يصحح معلومة أو يحققها وبين من يجري خلف (الجلدة المنفوخة) عارياً فينال التكريم والتكريم.