Al Jazirah NewsPaper Thursday  18/03/2010 G Issue 13685
الخميس 02 ربيع الثاني 1431   العدد  13685
 
إغراءات الكرملين
دومينيك مويزي (*)

 

تُرى ما هو المغزى الحقيقي من الصفقة التي باعت فرنسا بموجبها مؤخراً أربع سفن حربية قوية من فئة ميسترال لروسيا؟ هل كان الأمر برمته من قبيل العمل كالمعتاد، أم كان تحركاً غير مسؤول يساهم في تحول خطير في ميزان القوى في منطقة البلطيق والبحر الأسود؟

يقال في بعض الأحيان إن ألمانيا تحولت إلى (فرنسا ثانية) في نهجها (الأناني) في التعامل مع الاتحاد الأوروبي. ولكن هل توشك فرنسا حقاً على التحول إلى (ألمانيا ثانية)؟ وإذا كانت ألمانيا الشريك الاقتصادي الرئيسي لروسيا، فلم لا تصبح فرنسا شريكاً استراتيجياً رئيسياً لها؟

إن فرنسا لا تشترك مع ألمانيا في قربها الطبيعي من روسيا - العلاقة القائمة على الجغرافيا والتاريخ. ولكن فرنسا تتمسك بتقليد قديم في العلاقات الثنائية (الخاصة) مع روسيا - التي تتسم ببعد ثقافي عميق - وهي العلاقات التي نجحت على نحو ما في تجاوز الحرب الباردة.

ذات يوم أطلق الجنرال شارل ديجول على نفسه وصف (صديق الظروف السيئة) للولايات المتحدة، وكان المقصود من هذا ضمناً أنه في (الظروف الأفضل) يستطيع أن يفعل ما يشاء، فينسحب من القيادة العسكرية المتكاملة لحلف شمال الأطلنطي، ويتصرف وكأنه جسر من نوع ما بين الشرق والغرب. إن سياسة المهادنة التي تبناها ديجول في التعامل مع الاتحاد السوفييتي، قبل أن يجربها نيكسون وكيسنجر بأعوام، كانت تجسد رغبة فرنسا في (التواجد) المنفرد على الصعيد الدبلوماسي وتعظيم حيز المناورة المتاح لها في التعامل مع الولايات المتحدة.

ولكن الزمن تغير والظروف تغيرت، وانتهت أيام الحرب الباردة. فضلاً عن ذلك فإن نيكولا ساركوزي ليس ديجول، وروسيا ليست الاتحاد السوفييتي. إلا أننا سوف نستشعر أثراً خفيفاً من الحنين إلى الماضي في التقارب الحالي بين القوتين اللتين تدركان انحدارهما النسبي في العالم. وكل من هاتين القوتين عازمة على تعزيز مكانتها - المكانة الدبلوماسية في حالة فرنسا، والمكانة الاستراتيجية في حالة روسيا. غير أن الواقع الفعلي أكثر ركوداً بالنسبة للقوتين.

لم تكن النقطة الأكثر أهمية في زيارة الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف الأخيرة إلى باريس، حيث تم إبرام صفقة الأسلحة، اتفاق الدولتين على الرؤى الاستراتيجية بعيدة الأمد، بل على اعتبارات عملية واقعية. وبالنسبة لفرنسا فإن أكثر هذه الاعتبارات أهمية هو الاقتصاد بطبيعة الحال.

إن فرنسا حريصة على الحفاظ على استقلال صناعة الأسلحة لديها، وعلى إبقاء ترسانتها البحرية في سان نازير على الساحل الغربي مفتوحة. وكان من المفترض أن يُقابَل هذا الاهتمام (التجاري) المشروع بخطوات صغيرة من جانب روسيا في اتجاه دعم سياسة فرض العقوبات على إيران. ولسوف يكون من المثير للاهتمام أن نرى في غضون بضعة أسابيع أو بضعة أشهر ما إذا كان الكرملين سوف ينفذ جانبه من الاتفاق أم لا. في واقع الأمر، وكما كانت الحال في أغسطس - آب 2008 حين نجح ساركوزي من خلال مفاوضاته مع الكرملين في التوصل إلى وقف إطلاق النار ثم اتفاق السلام بين جورجيا وروسيا (بشروط روسية إلى حد كبير)، فإن تصرفات الرئيس الفرنسي اليوم تلقى ترحيباً واضحاً على الجانب الروسي. ويبدو أن (ساركوزي الأميركي) (كما كان يُعرَف في فرنسا ذات يوم) لم يعد يرى أنه مضطر لإثبات أي شيء لأميركا في الوقت الحالي. فقد عادت فرنسا بشكل رمزي إلى القيادة العسكرية لحلف شمال الأطلنطي في إبريل - نيسان 2009. وحتى لو شعر بعض المسؤولين الأميركيين بالتبرم والضيق إزاء إقدام الفرنسيين على بيع معدات عسكرية متطورة لروسيا، فإن أحداً منهم لم يجرؤ على التذمر علناً. كما أخبرني صديق روسي مؤخراً، فإن بوتن (يريد أن يعيش كما يعيش رومان أبراموفيتش (ملياردير روسي) وأن يحكم كما حكم ستالين). وإنه لوهم خطير أن نتصور إمكانية استخدام ورقة ميدفيديف لموازنة بوتن. فلن نجد أي تقسيم للسلطة بين الرجلين. فالأول يمهد الطريق لعودة الثاني إلى الكرملين في عام 2012. وفي روسيا السُلطة تعني المال والمال يعني السُلطة. والمخاطر ببساطة أعلى مما نتخيل.

ولا ينبغي لفرنسا أن تخدع نفسها. فلا عيب في مسألة بيع الأسلحة إلى روسيا في حد ذاتها، ولكن القيام بهذا الآن من شأنه أن يدعم محاولات بوتن لتعزيز سياسته الرامية إلى فرض الهيمنة على (الجوار القريب) لروسيا. ولا شك أن صفقة بيع الأسلحة هذه لن تؤثر إيجابياً على توازن القوى داخل روسيا، بل إنها ستؤثر على توازن القوى الإقليمي - لصالح روسيا.

والأمر الواضح هنا هو أن أي طموح لتحديد سياسة أوروبية مشتركة في التعامل مع روسيا، على صعيد الطاقة أو صعيد السياسة الأمنية، بدأ يتلاشى بالتدريج. ومن برلين إلى باريس، ومن باريس إلى روما، فربما يفعل زعماء أوروبا نفس الشيء في نهاية المطاف، ولكن كل منهم يعمل بمفرده، في حين يتنافس المتنافسون على العمل لصالح روسيا بدلاً من العمل كشركاء في إطار اتحاد يفترض فيه أنه كيان متماسك مترابط.

(*) أستاذ زائر بجامعة هارفارد
خاص (الجزيرة)



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد