Al Jazirah NewsPaper Thursday  18/03/2010 G Issue 13685
الخميس 02 ربيع الثاني 1431   العدد  13685
 
نوافذ
المركز والهامش
أميمة الخميس

 

أحاول أن تلبي زاويتي يوم الخميس الهتاف بل النداء الإبداعي والفني، مراوغة قضايا الشأن العام، ومناقشة الطروحات التي تشكِّل الهمَّ الاجتماعي أو ما يسمون بقضايا الساعة التي تفتك بزاويتي يومي الأحد والثلاثاء.

يوم الخميس أود أن تنحرف بوصلة زاويتي باتجاه وادي الثقافة وممر القوافل المحملة بفتنة الكلام وسجع الكتاب, ولاسيما أنه يوم ملحق الجزيرة الثقافي، وجناح صبح الخميس يسقط الملحق بين يدي كضمة ريحان مطعمة بروح غيمة.

وإن كانت قضايا ونجومية أهل الثقافة تظل حبيسة صفحات الجرائد وتنطفئ بإغلاقها؛ فالمبدع عبده خال عندما عاد من الإمارات متأبطا الجائزة العالمية للرواية التي هي ليست له فقط بل للوطن ومنجزه الحضاري، من كان بانتظاره في صالة القدوم؟ هل هناك حتى ولو موظفا بسيطا من وزارة الثقافة؟ هل التمع فلاش لكاميرا صحفي واحد؟ هل استقباله يوازي استقبال لمنتخب كرة القدم, أو استقبال بطل ستار أكاديمي أو حتى استقبال شاعر المليون؟ (وإن كنا هنا نشيد بالنادي الأدبي بجدة الذي نظم احتفالا بهذه المناسبة على شرف وزير الثقافة والإعلام). وهنا أيضا يبزغ السؤال: هل هذا بسبب نخبوية الفعل الثقافي الجاد المحمل بالرؤى ومشاكسة الذوق السائد؛ فبالتالي يصبح التمرد الدائم على المنمط والمعهود حاجزا يتحدى كسل الذائقة الجمعية ويحجب العمل عن جماهيريته مقارنة بشعبية الرياضة والغناء والشعر الشعبي الذي كثيرا ما يلعب على وتر الغرائزية، في زمن تسيطر فيه الاستهلاكية وثقافة الصورة على المنتج الإبداعي والفني بشكل كبير؟..

لكن الإقبال الجماهيري الكبير على معرض الكتاب الدولي بالرياض قد يجعلنا نصل إلى سدرة تفاؤل نقيل تحتها من رحلة قد تبدو محملة بالخيبة، ونتخلى عن فكرة نخبوية الثقافة، بحيث توسع الإطار النخبوي الذي تدور فيه الثقافة، وتجعلنا نقلب هنا منظور الرؤية 360 درجة من خلال فلسفة (غرامشي)؛ فالممارسة النقدية عند غرامشي عملت على استنطاق المسكوت عنه في خطابات النخبة والفلاسفة والسياسيين, والمسكوت عنه هنا هو ميل النخب إلى تغييب وتهميش الثقافات اللانصية، أي (الخارجة عن سلطة المكتوب) والمعتمدة على الممارسة الشفاهية في حياتها اليومية، وهذه الممارسات القمعية للنخب تعيد كتابة التاريخ بوصفه تاريخا للنخب السياسية والثقافية فقط، التي عملت على كتابة التاريخ وفقا لرغبات النخبة، مع نفي وإقصاء لثقافة العوام (اللانصية).

ومن هنا ينشأ الخوف من اختطاف الثقافة من فضائها العام المتسع إلى شكلها النخبوي المؤسساتي، فتلك القولبة للعملية الثقافية التي تتطلب آفاقا متسعة وأسقفا عالية، أو حتى لا أسقف، من شأنها أن تخلق كهنوتية ثقافة، لها رموزها وموظفوها وتراتبها السلطوي بشكل يتقاطع مع اشتراطاتها المتمثلة في التجريب والمغامرة؛ وبالتالي تتكون مركزية طاردة نحو الهوامش والأطراف تجليات الثقافة الجديدة أو البسيطة والشعبية أو المغامرات التي تتمرد على سلطة المركز وصكوك غفرانه.

ولأن قضية المركز والهوامش ساحقة القدم، وتخترق التاريخ من قاعه إلى يومنا هذا، فستبقى قضية إشكالية لا نستطيع أن نحشرها بداخل جواب نهائي ومطلق.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد