لا تنتظر الدول الكبرى فشل سياستها أو مخططها في منطقة ما لتبدله أو تصنع بديلا آخر منه في الخدمة؛ فتضع سيناريوهات جاهزة؛ فتقليص الفضاءات الاستراتيجية غير مقبول في سياسات الدول التي تعمل على الحفاظ على نفوذها وتمددها السياسي والاستراتيجي. ولقد وضح لدى العديد من المخططين الاستراتيجيين الأمريكيين أنه لا يمكن السيطرة تماماً على أفغانستان رغم أنها تشكِّل محطة استراتيجية مهمة لتعزيز النفوذ الأمريكي، والحفاظ على المكاسب الاقتصادية الواعدة من الاحتياط البترولي في بحر قيزوين؛ كون أفغانستان الممر الأفضل والأجدى اقتصادياً، كما أن أفغانستان تشكِّل ممراً استراتيجياً لربط الخليج العربي وإيران بدول آسيا الوسطى المكتنزة بثرواتها، وكونها درعاً استراتيجيةً يعزل العدو القديم المنافس الجديد (روسيا)، كما يقلص فضاءه الاستراتيجي؛ ولذلك ومع بدايات الضربات الموجعة التي تلقتها القوات الأمريكية في أفغانستان لجأ البيت الأبيض إلى المخطط الاستراتيجي المساند أو البديل للاحتفاظ بالمنطقة الاستراتيجية في آسيا الوسطى.
وهكذا بدأ العمل على إنشاء المحطة الاحتياطية في المنطقة؛ لتعويض خسارة أفغانستان والبُعد عن باكستان التي زادت أعباء البقاء فيها لكثرة أزماتها السياسية.
لم تجد واشنطن مشقة في إيجاد البديل الاستراتيجي الذي سيعوض فقدان أفغانستان، بل سيعزز البقاء في أفغانستان وإن لم يكن عسكرياً؛ إذ وجدت الولايات المتحدة الأمريكية في طاجكستان البديل الأفضل من خلال امتلاكها لعناصر مهمة، من أهمها أنها جزء أساسي من حزام أمني حول إيران وقربها بل وحتى تداخلها في الفضاء الأمني والجوسياسي الروسي.
كما اختار الأمريكيون طاجكستان لجعلها البديل الاستراتيجي لأفغانستان لاقتصادها الضعيف؛ ما يجعلها عرضة لإغراء المؤسسات العالمية الدولية التي تسيطر عليها أمريكا.
ولتسريع تحقيق الأهداف الأطلسية والأمريكية في طاجكستان بدأت المساعدات تنهال على المعارضة، وأمكن إقامة علاقات وثيقة حتى مع أعضاء الحكومة الطاجكستانية؛ فالسيد زاريفي، الذي يشغل منصباً متقدماً في الحكومة، نسَّق وأقام علاقات وثيقة مع واشنطن بحجة معالجة الأوضاع الاقتصادية؛ ما جعل الكثير من الطاجكستانيين يتهمونه بتكوين لوبي أمريكي ساعد واشنطن على الموافقة على نقل أربع كتائب للقوات الأمريكية الخاصة وإجراء مناورات وعمليات عسكرية على أرض طاجكستان، كما تم إنشاء هيكل المعلومات الاستخباري المشترك مع أمريكا تحت رعاية (OSCE) الذي يعمل على تنسيق أنشطة جميع قوات الأمن والقوات الخاصة في أفغانستان والدول المجاورة. وكون هذا المشروع يستند إلى الاتفاقيات الثنائية بين واشنطن ودوشنبا فإن السفارة الأمريكية تتولى الإدارة والصرف على تكاليف المناورات وتنقل قوات الأمن والقوات الخاصة بما فيها القوات الطاجكستانية؛ ما أوجد أرضية جاهزة لبديل استراتيجي في حالة فقدان أفغانستان.
jaser@al-jazirah.com.sa