Al Jazirah NewsPaper Monday  12/04/2010 G Issue 13710
الأثنين 27 ربيع الثاني 1431   العدد  13710
 
الحضارة.. والحياة
مصطفى محمد كتوعة

 

هل صحيح أن الحضارة بأدواتها قد حجبت عنا الحياة بجمالها وفطرتها؟ سؤال دار في ذهني وأنا استمع إلى المذيع وهو يعلن عن كسوف القمر وخسوف الشمس، سألت نفسي وكأنني أطلب من كل شخص منا أن يسأل نفسه نفس السؤال، منذ كم يوم أو شهر لم ير القمر والنجوم في الليالي الصافية، لا شك أن الجوب سيكون عدم اهتمام بالإجابة عن هذا السؤال، لأنه أكيد أن كلا منا كان مشغولاً أو مهتماً بحياته الخاصة أو قابعاً في بيته يبحث عن بعض الراحة بعد عناء اليوم من العمل فطالما الحياة تسير فلا يهم إن رأينا القمر أم لم نر النجوم طالما عدم رؤيتها أو رؤيتها لن يمنع استمرارنا في الحياة، ونسينا أن الاهتمام بذلك الأمر يرهف حسنا ويطلق من خيالنا وتفكيرنا ويريح قلوبنا المكدودة ويطمئنا ويذكرنا بالخالق عزّ وجلّ ويجعلنا نشعر بأن هذا الكون له خالق ولا نخشى شيئا من هذه الحياة.

إن السعي وراء الرزق في هذا العصر جعل الكثير منا لا يفكر إلا في السعي وراء الماديات. أصبحت حياتنا بدون أحلام بدون تفكير بدون فلسفة، فمباهج العصر واختراعاته حجبت عنا الرؤية الواضحة لإبداع الخالق، ونحن صغار كنا نراقب القمر وعندما يظهر واضحا لنا ابتهالات وأناشيد يرددها كل أطفال الحارة وكلنا تقريباً ما زال يحفظ منا الكثير والله يرحم بيوتنا القديمة التي كان لها صحن في وسطه يعلوه السماء ونرى ونحن في هذا الصحن السماء الزرقاء الجميلة بقمرها ونجومها وحتى السحب كنا نراقب تحركها من على وجه القمر أو من حجبها للشمس، ولما يكتمل القمر كنا نغني له أعذب الأناشيد ونجدها فرصة للدعاء بأن يجعل الله علينا هذا الشهر مباركا.. كنا نجد القمر جميلا وضاء وكنا نشبه به جمال الخلقة ونقول (زي القمر في يوم اكتماله) وكنا نستلقي على ظهورنا فوق الرمل أو في أصحن منازلنا أو على أسطح منازلنا الواسعة لنعد النجوم بل كنا نتصور صوراً في وجه القمر ونحدد أكبر النجوم.

أقول هذا الكلام لأننا أصبحنا لا نرى إلا ما هو صناعي غير طبيعي كل شيء تدخل فيه الإنسان وبهرنا للوهلة الأولى نسعى دائما لاقتنائه لأنه يرفهنا على المدى القصير ولا نعرف مدى ضرره على المدى الطويل لا شك أن الله سبحانه وتعالى خلق الطبيعة بما تتلاءم مع اختلاف المناخات أصبحنا نستخدم المكيفات الحارة والباردة وعندما يلفحنا حر الصيف ونجلس في غرفة مقفلة بها مكيف ونشعر بالبرد ينثني على من صنع هذا الاختراع العجيب الذي جعل صيفنا شتاء وبالرغم من إصابتنا ببعض الأمراض من سببه إلا أننا لا نرجع أبدا هذا المرض للمكيف أو إلى سوء استخدامنا له وطالما الدكتور موجود فلا يهم. فالحقيقة أن أي أجهزة من الأجهزة الحديثة إلا وبها أضرار أكثر من المنافع. ولكن لا مناص لا بد لنا من استخدام كل ما هو جديد خوفا من أن يقال عنا إننا متخلفون أوإننا بخلاء على أنفسنا.

ارتفعت المباني والمنشآت حتى حجبت عنا روعة السماء ولونها الجميل المريح للأعين وأخفى مصابيح الشوارع نور القمر والنجوم المريحة وأصبحت بيوتنا كعلب السردين المحكمة القفل لا يتجدد الهواء بداخلها خوفاً من ضياع برودة المكيف ونمنا وصوته في آذاننا نوما مقلقا لا راحة فيه وإذا تحركنا في الشارع جرينا خوفا من حرارة الشمس واشترينا السيارات التي بها مكيفات وأصبحت حياتنا صناعية في صناعية وتدخلنا في تغيير الطبيعة المحيطة بنا بل الطبيعة في أجسامنا أرضا وقوة تحملنا مما أثر على قوة تحملنا النفسية وغدونا بأجسام مترهلة ولزم علينا إما أن نعمل ريجيما للتخسيس ينتهي بالفشل والمحظوظ منا من يكون عنده هواية رياضية يمكنه بها من تقويم بدنه وتقوية عضلاته وأصبحت قلوبنا ضعيفة لا تقدر على مقاومة الأمراض التي أتت بها وسائل الترف الحضارية الحديثة.

وما زال الفلاح دليلاً قاطعاً على صحة ذلك فنجده مهما بلغ من العمر مهتما أو غير مهتم بصحته ومراجعة الطبيب أو عدمه فهو ممشوق البنية قوي العضلات وان بدا كبير السن على تجاعيد وجهه إلا أن عضلاته صلبة منتفخة ولم ينحن ظهره ذلك لأنه عنده من القوة وقوة الاحتمال ما ينقصنا نحن أصحاب الوسائل العصرية المرفهة وان اشتكى من الأمراض فهناك الأعشاب التي تنمو في حقله يتداوى بها. بل إن بعضا منهم عنده حساسية من بعض هذه الأدوات فلا يمكنه أن ينام مع برودة المكيف وصوته المزعج وإذا جلس مدة طويلة يشتكي لك من أن مفاصله تعبته من الجلسة الطويلة، بل انه يفضل المشي على أن يستأجر سيارة أجرة لكي يذهب إلى مشاويره.

رحم الله آبائنا عندما كانوا يعودونا على التقشف وقوة الاحتمال وكانوا يقسون علينا لكي يشتد عظمنا وتنمو عضلاتنا، ويقووا قلوبنا حتى لا نخاف.. كانت لهم أساليب بدائية ولكنها كانت هي المطلوبة فعلا لتنشئتنا على قوة الاحتمال ومقاومتنا للأمراض وخلافه.

-1استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد