كأي مصل اغتسلت يوم الجمعة وتطيبت، ثم توجهت إلى أحد المساجد لاستماع الخطبة وأداء الصلاة، وما إن دخل الإمام ورفع الأذان حتى سكتت أصوات المصلين عن تلاوة سورة الكهف وما تيسر من القرآن، استعداداً لسماع الخطبة، وبدأ الإمام بالسلام والصلاة على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، ثم دلف إلى مضمون الخطبة، التي تتحدث عن الموت والأموات ابتداء بالميت الذي يتبعه إلى المقبرة ثلاثة ثم يعود اثنان ويبقى الثالث، يعود أهله وماله ويبقى معه عمله للدخول للقبر، ثم يبين للمصلين بشاعة وجه العمل القبيح ونتانة ريحه، وضيق القبر وانطباقه على الميت حتى تتخالف أضلاعه، وملك العذاب ومطارقه النارية، والشجاع الأقرع وما يفعله، ونوافذ نار جهنم المفتوحة على القبر، ثم يواصل وصف أهوال يوم القيامة وصفات يوم الحشر وفزع الناس ونياحهم وعرقهم وو.. من مظاهر الترهيب التي تنتظر الأموات العصاة.. ومع يقيننا جميعا وإيماننا بأن كل ما أخبر عنه ذلك الإمام هو صحيح، ولكن أليس من الأفضل أن يستعرض للمصلين رحمة الله الواسعة وجنات النعيم وحياة الخلود الأبدية التي وعد الله بها عباده المؤمنين!! لماذا هذا التركيز على الترهيب وترك الترغيب، خصوصا في هذا الزمن الذي يتطلب جذب الناس إلى ما عند الله من جنة عرضها السموات والأرض، لقد جلت بنظري أثناء الخطبة يمنة ويسرة، فشاهدت المصلين تتجهم وجوههم وتنقبض قلوبهم لهول ما يسمعون من أهوال العذاب وإسوداد نار جهنم ولهفتها لأجساد الموتى.. وانتهت الخطبة وأقيمت الصلاة فاختار إمامنا من الآيات ما يناسب خطبته من آيات العذاب، وعندما قضيت الصلاة خرج المصلون وكأن الطير فوق رؤوسهم مما غشيهم من الاكتئاب الذي سببه إمامنا سامحه الله.. ولم ينتشلني من هذا الجو الكئيب إلا ملحق الرسالة في جريدة المدينة، حيث شرعت في قراءته ريثما ينهي صاحب محل السمك ما ابتعته منه غداء لي ولأسرتي، فكان أن وقعت عيني على مقال الدكتور سلمان العودة في زاويته (في المنهج) بعنوان: (وصفة سريعة للبهجة)، استهلها بالتفاؤل والاستبشار بصباح يوم جديد في حياة الإنسان، وما يتبعه من اليقظة والحيوية والساعات الحافلة بالعطاء والاستمتاع بالحياة، والابتعاد عن كل المنغصات والضغوط والهواجس السوداوية، بعد أن يصلي المسلم ركعتين لله تغسل الروح وتصنع الدعم النفسي وتفتح الأمل لكل ما يبهج النفس ويسعدها، متضمنة البرنامج اليومي لحياة الإنسان من تناول الإفطار وقراءة الصحف والاحساس بحكمة الله وعظمته في كل ما حوله، لتصبح الحياة بهذا المفهوم حياة ميسرة ونعمة عظيمة.. وعلى الجانب الآخر من الصفحة قرأت مقال الدكتور عائض القرني في زاويته (أما بعد) بعنوان: (أسباب الحياة السعيدة)، ذكر فيها خمسة عشر سببا لتحقيق السعادة، وكل تلك الأسباب ميسرة ويستطيع الإنسان الحصول عليها وتحقيقها بسهولة، فهي تتراوح بين الهدى والإيمان والاستغفار ومداومة الذكر والإحسان إلى الناس، ومحاربة الفراغ والعيش بالقناعة والرضا بالقدر، وما إلى ذلك من الروحانيات والإقبال على الحياة بروح متفائلة وواثقة في رحمة الله التي يغدقها على عباده المؤمنين.. لقد استعدت بقراءة هذين المقالين طمأنة الروح وتهدئة النفس بما وعدها الله سبحانه وتعالى من العفو والمغفرة والرحمة، بعيداً عن الإحباط والقنوط واليأس التي تكدر الحياة وتعكر صفوها.