ما زال تركيز العالم منصباً على الأزمة المالية اليونانية. ولكن هذه الأزمة قد تفضي إلى نتاج جانبي عظيم المنفعة: انفراجة أعمق في العلاقات اليونانية التركية.
لقد ساهم إسراف اليونان في الإنفاق على الدفاع في تفاقم أزمتها الاقتصادية الحادة. والواقع أن اليونان هي الدولة الأعلى إنفاقاً على مؤسستها العسكرية في أوروبا نسبة إلى ناتجها المحلي الإجمالي. ولا شك أن تحسن العلاقات مع تركيا من شأنه أن يمكن رئيس الوزراء اليوناني جورج باباندريو - الذي استضاف رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الأسبوع الماضي - من خفض الإنفاق على الدفاع وتيسير محاولات إنقاذ الاقتصاد اليوناني الذي أصبح على شفا الإفلاس.
من المؤكد أن تحسن العلاقات اليونانية التركية سوف يكون موضع ترحيب، ليس فقط من جانب المستثمرين الأجانب ومسؤولي الاتحاد الأوروبي، بل وأيضاً من جانب حلفاء اليونان في منظمة حلف شمال الأطلنطي - وعلى رأسهم الولايات المتحدة. في عام 2006 قُتِل أحد الطيارين اليونانيين في قتال صوري مع طائرة مقاتلة تركية.
ومثل هذه الأحداث قد تؤدي إلى صراع عسكري غير مقصود بين عضوين في حلف شمال الأطلنطي. ولقد كاد الصراع يشتعل بالفعل في فبراير/شباط 1996 أثناء الأزمة التي نشأت حول جزيرة إيميا/كارداك، والتي تطالب كل من الدولتين بالسيادة عليها. وأثناء مواجهة حلف شمال الأطلنطي لتحديات متنامية في أفغانستان، فإن آخر ما يحتاج إليه هو اندلاع صراع في منطقة بحر إيجة.
وهناك العديد من العوامل السياسية الأخرى التي تؤكد على أهمية الدفع نحو تحسين العلاقات اليونانية التركية.
فعلى الجانب اليوناني كان باباندريو حريصاً على جعل مسألة تحسين العلاقات مع تركيا من بين أهم أولويات السياسة الخارجية. ويتمتع باباندريو بأغلبية برلمانية واضحة، هذا فضلاً عما يتمتع به من احترام كبير في تركيا، نظراً للدور المحوري الذي لعبه أثناء شغله منصب وزير خارجية اليونان في بدء عملية التقارب مع تركيا في عام 1999م.
وعلى الجانب التركي أيضاً يحرص أردوغان على تحسين العلاقات الثنائية. ذلك أن تخفيف حدة التوترات مع اليونان من شأنه أن يحسن صورة تركيا في الغرب وقد يعطي ذلك زخماً جديداً لمساعيها المتعثرة للالتحاق بعضوية الاتحاد الأوروبي. وبهذا تؤكد تركيا أيضاً أنها تطبق مبدأ «لا للمشاكل» مع جيرانها جميعاً وليس جيرانها في الشرق فقط.
ويتمتع أردوغان، شأنه في ذلك شأن نظيره باباندريو، بموقف داخلي قوي. فقد حقق نصراً ساحقاً في انتخابات يوليو/تموز 2007، وهو لا يواجه إلا قدراً ضئيلاً من المعارضة، وخاصة بعد أن أصبح نفوذ المؤسسة العسكرية التركية ضعيفاً بسبب الاتهامات الموجهة إلى الجيش بتورط بعض كبار الضباط في مخططات لزعزعة استقرار الحكومة. ورغم أن بعض الاتهامات تبدو وكأنها تستند إلى أدلة واهية، إلا أنها جعلت هيئة الأركان العامة أكثر تردداً في تحدي رئيس الوزراء.
وقد تبدأ الجهود الرامية إلى إصلاح العلاقات بخطوات صغيرة فيما يتصل بقضايا غير مثيرة للجدال نسبياً، مثل موافقة تركيا على إعادة فتح مدرسة هالكي الإكليريكية - وهو مطلب يوناني قديم. وفي المقابل من الممكن أن توافق اليونان من جانبها على بذل المزيد من الجهد لتحسين وضع الأقلية التركية في تراقيا، وهي قضية على قدر كبير من الأهمية بالنسبة لأنقرة.
ومن الممكن أن تشتمل هذه الخطوات الصغيرة أيضاً على اتخاذ تدابير اقتصادية، مثل إبرام اتفاقية قروض/تبادل بين البنكين المركزيين اليوناني والتركي دعماً لبرنامج صندوق النقد الدولي لمساعدة اليونان في استعادة الاستقرار المالي. ويستطيع الجانبان أيضاً أن يتعاونا في مجال إعادة المهاجرين غير الشرعيين، وهي القضية التي اكتسبت بعداً ملحاً جديداً مع تحول تركيا على نحو متزايد إلى نقطة عبور للمهاجرين غير الشرعيين القادمين من العراق وأفغانستان والشرق الأوسط.
أخيراً، وفيما يتصل بقضية السيادة الحساسة في بحر إيجة، من الممكن أن يسعى قادة البلدين إلى عقد اتفاقية بشأن مجموعة من تدابير بناء الثقة، أو حتى الاتفاق على رفع بعض نزاعاتهما إلى جهات تحكيم خارجية.
قد لا تكون مثل هذه الخطوات كافية لحل المشاكل المسببة للفُرقة بين اليونان وتركيا، ولكنها بلا أدنى شك قادرة على إعادة تنشيط الحوار الأمني بين البلدين وإرساء الأساس لاتفاقيات جديدة في المستقبل بشأن قضايا أكثر إثارة للجدال.
***
ف. ستيفن لارابي يشغل منصب الرئيس المشارك لشؤون الأمن الأوروبي لدى مؤسسة راند، كما عمل كرئيس لهيئة العاملين في مجلس الأمن القومي أثناء ولاية الرئيس الأسبق كارتر. وتشارلز رايس كبير زملاء مؤسسة راند، ولقد شغل منصب سفير الولايات المتحدة إلى اليونان أثناء الفترة 2004-2007م.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2010.
www.project-syndicate.org
خاص بـالجزيرة