في جلسة أصدقاء تساءل أحدنا لماذا يثير حضور المرأة أو منظرها أو حتى صوتها حالة طوارئ غريزية في مجتمع يفصل النساء عن الرجال تماما في الوقت الذي نرى أنه لا الاختلاط ولا حتى حضور الأنثى نصف كاسية في مجتمعات أخرى يثير نفس الكمية من الغرائز البدائية؟.
توسع السؤال بعد ذلك إلى البحث عن السر وراء انطفاء حالة الاشتعال في رجل المجتمعات المتفاصلة بعد مرور بعض الوقت على إقامته في مجتمع مختلط بحيث لا يبقى للحضور الأنثوي ذلك التأثير الغريزي الذي كان له في البدايات.
كنا نعرف أن الإجابة المحتاطة والعلمية على مثل هذه التساؤلات تحتاج إلى متخصصين في قوانين التجمعات البشرية وعلوم النفس والأخلاق والجنس والغرائز. لذلك لن أزعم هنا أن ما جادت به مدارك الزملاء المتناقشين وخبراتهم سوف تكون كما أنقلها هنا شافية كافية. بعد حذف ما قيل في الجلسة على سيبل التندر والمزاح تمحورت الإجابات حول الآراء التالية:
الرأي الأول يقول بأن الغرائز في مجتمعات الاختلاط تصل إلى الانضباط بسبب التعود على الأنثى منظرا وحركة وكلاما ورائحة منذ الطفولة فما أن يبلغ الإنسان سن الرغبات الشبابية حتى تكون شخصيته البدائية الغريزية قد انزاحت لصالح السياق التربوي العام، ولكن بالطبع مع بقاء بعض الشوائب الغريزية الفردية هنا وهناك التي قد تنفس عن نفسها في جرائم جنسية.
الرأي الثاني رأى أن عوامل الطقس البارد ونوعيات المآكل والمشارب ربما يكون لها تأثيرا مثبطا على الانفلاتات الغريزية بعكس ما للحرارة البيئية ونوعيات الطعام والشراب من تأثيرات تحفيزية انفلاتية.
الرأي الثالث أضاف أنه كل ما منع الكائن الحي، الحيوان والإنسان على حد سواء وفصل عن شقه الآخر ازداد اضطرابه وارتفع مستوى الأدرينالين والهرمونات في عروقه وشطح خياله من دنيا الواقع والسيطرة إلى عوامل التصورات والشطط فما أن تتاح له فرصة التماس مع الجنس الآخر حتى تتلبسه كل الشياطين والرغبات الغرائزية.
مجمل الآراء باختصار: الرأي الأول قال إن التعود المبكر يؤدي إلى الترويض المتأخر. الرأي الثاني قال إن البيئة الجغرافية والغذائية تشحذ الغرائز أو تثبطها. الثالث يقول إن الفصل الكامل يهيج الخيال ويرفع الهرمونات ويؤدي إلى الشطط في تصور الطرف الآخر.
تلاحظون أن هذه الآراء كلها انطلقت من عقليات ذكورية وهذا طبيعي، لكن إن كنتم تريدون الرأي الآخر فاصبروا علي ريثما أتنحنح أولا ثم أنادي بالصوت العالي: يا هيه يا أهل الدار.. إن كان عندكم راي عطونا إياه.. وارسلوا معه التمر والقهوة عندنا ضيوف.