الطريقة التي يتم من خلالها إدارة الأندية لدينا تختلف عن تلك الموجودة في باقي أندية دول العالم، فنحن كغيرنا من الدول التي تولي هذه الرياضة أهمية قصوى لأسباب عدة يفهمها الحذق دون غيره، لكن الغرابة في الموضوع
أن أنديتنا ترفع شعارا دائما هو عنوان يلازمها من بداية انطلاقتها وحتى خسوف شمسها، ذلك الشعار الذي لا يتم تطبيق معانيه وأدبياته إطلاقاً.. فمعلوم أن أنديتنا هي ثقافية اجتماعية رياضية يفترض أن تقوم بالعديد من الأنشطة التي تجعل منها كياناً يقدم ما يفيد المجتمع باختلاف ميوله رياضياً أو اجتماعياً أو ثقافياً.
وبعيداً عن التنظير في الأمر، نجد أن أنديتنا وخصوصاً تلك المشهورة منها تركز جُل اهتمامها في الرياضة وفي رياضة واحدة فقط تحديداً وهي كرة القدم وهي بذلك تستأثر بميول واهتمام غالبية الشباب، خصوصاً إذا علمنا أن معظم سكان المملكة من صغار السن. لكن ماذا عن كبارها أو أولئك الذين لا يميلون لمتابعة كرة القدم، هل قدمت تلك الأندية لهم ما يشفع لها أن تحصل سنوياً على إعانة الدولة من خلال الرئاسة العامة لرعاية الشباب الجهة التي تقع على عاتقها مسئولية رعاية الشباب بالمملكة.
السؤال مطروح ليس فقط على إدارات الأندية تلك فحسب بل على من يقوم بدعمها ورعايتها والإشراف عليها وأقصد هنا المؤسسة الحكومية سابقة الذكر.. فنحن أحوج ما نكون لأن نقوم بتوجيه الشباب لما فيه خير وصلاح البلاد من خلال توجيههم ثقافياً واجتماعياً والمساهمة في رفع شأنهم وغرس عادات تعود بالنفع عليهم الأمر الذي يصب أخيراً في مصلحة البلاد. أنا هنا لست ضد أن يهتم النادي بالنواحي الرياضية لكن المتابع يلاحظ أن الأندية قد غيبت تماماً أدوارها الأخرى واهتمت فقط بالنواحي الرياضية وتحديداً في رياضة واحدة وهذا أمر محمود بحد ذاته إذ إن النادي الرياضي بإنجازاته يساهم برفع اسم الدولة التي يمثلها خارجياً ويعكس اهتمامها ودعمها للرياضة بشكل خاص ولشبابها بشكل عام، هذا إذا كان تمثيل ذلك النادي مشرفاً لكن أن يكون التمثيل ضعيفا لا يوازي مطلقاً الاهتمام الذي توليه الدولة لأنديتها من جهة ومن جهة أخرى حجم السعار الذي يمارسه أتباع تلك الأندية فهذا ما لا يقبل ولا يطاق.
نعلم أن الأندية لدينا قد غيبت أدوارها الأخرى ولم تستغل ما يتم منحها من اهتمام معنوي ومادي وذلك في مقابل تركيز اهتمامها على نشاط واحد وهو كرة القدم حيث إننا نلمس ضعفا في نتاجها وحراكها الثقافي والاجتماعي وهو الدور المتوقع والمنتظر منها تجاه المجتمع وخصوصا فئة الشباب، فمعلوم أن الأندية تلك تحاكي أفكار وعقول فئة الشباب من خلال استمالتها لهم عاطفياً لتشجيعهم لها كروياً أو رياضياً بشكل عام وبالتالي فأدوارها المناط القيام بها أكبر بكثير من مجرد استمالة تلك الفئة لحمل أدواتها الموسيقية ومليء أماكن التشجيع في ملاعب كرة القدم، بل إن تلك الأندية الرياضية باتت في نظري أخطر ما يكون على فكر الشباب إن أُريد لها أن تنتهج نهجاً غير ما أُوجدت من أجله.
لماذا لا يتم توظيف تلك الأندية في التأثير على اتجاهات شبابنا الثقافية والتربوية والرياضية والاجتماعية والفكرية، لماذا يسود في مجتمعنا اعتقاداً بأن دور الأندية محصور فقط في ممارسة كرة القدم، أين دور تلك الأندية في تحريك الرأي العام لقضايا مجتمعية أو ثقافية ثم أين دور المرأة في تلك الأندية.
يجب إعادة النظر في ما تقدمه تلك الأندية وفي السياسات الموضوعة لها من قبل القائمين عليها، عليهم أن يضطلعوا بالدور الحقيقي لتلك الأندية وبما يجب أن تفعله في مصلحة الشباب والبلاد، عليها أن تقوم بمسئولياتها الاجتماعية والإنسانية والثقافية والفكرية وليس الاكتفاء فقط بالنواحي الرياضية. على تلك الأندية أن تخلع عنها ثوب التعصب الأعمى واستغلال الشباب في الترويج لها واستخدامهم في زيادة محصلتها من المشجعين الهاتفين باسمها دون وعي، عليها أن تتوقف بمداعبة مشاعر وعواطف صغار السن والتأثير عليهم وعلى مستقبلهم من خلال زرع أفكار الحقد والغيرة والحسد وكره الآخر، عليها أن تقوم بدورها التوعوي فيما يساعد هؤلاء الشباب في تحقيق أهدافهم، فما عرف التاريخ مجتمعات تقدمت ونجحت وقد آثرت حب الرياضة على حساب الثقافة والحراك الاجتماعي والثقافي.
لقد شاهدت ما تعجب له العين ويقشعر له البدن من أنصار فريق عاصمي أخرج جار له من بطولة محلية وكنت قد توقعت أن تلك التصرفات خرجت من أنصار الفريق الخاسر تعبيراً عن امتعاضهم أو غبنهم أو حتى تعبير طبيعي عن سخطهم لأداء فريقهم الخاسر إلا أن المفاجأة كانت أن أنصار الفريق الغالب هم من قاموا بذلك محتجين على حكم لقاءهم ذلك وعلى جماهير الفريق الخاسر وعلى المنظمين للبطولة وعلى القائمين على الملعب التي جرت أحداث مباراتهم عليه وعلى إحدى القنوات الفضائية وعلى الأجهزة الأمنية المتواجدة لتنظيم الحدث وعلى غبار العاصمة تلك الليلة وعلى درجات الحرارة المتقلبة، باختصار لم يكن هناك من شيء إلا واعترضوا عليه حتى أن أحدهم كان قد اعتلت ملامح الحزن عليه حتى كاد يبكي محتجاً على النتيجة التي آلت إليها المواجهة الكروية بحجة أنها غير منصفة رغم فوز فريقه. تعجبت كثيراً على حجم وقدر الاعتراض والطريقة التي يتم من خلالها التعبير عن ذلك بالرغم من أن أحدهم قد اعترف بأن فريقه لا يمكن أن يدخل مواجهة كروية مصيرية على حد تعبيره إلا وقد تم تسخير جميع الإمكانيات له للظفر بالنتيجة ففريقه لا يقهر ولا يهزم وأن هناك تدابير معينة يتم من خلالها تأكيد فوز فريقه. ففريقه العاصمي أكثر شعبيه كروية وأكثر تحقيقاً للانتصارات وأكثر من شارك في بطولات خارجية وأكثر من احتفظ بزعامة القارة الآسيوية. باختصار فريقه أكبر فرق القارة في كل شيء فهو جدير إذن بكل لقب ينافس عليه ولا يليق به إلا أن يقوم الجميع بخدمته من حكام وجماهير وإعلام.هكذا كان تفكير ذلك الشاب، لاحظوا مدى التأثير الواقع عليه من ناديه سواءً كان ذلك التأثير من إعلام النادي أو من منتدياته أو من وسيله أخرى، المهم أن ذلك الشاب وكثير غيره لا ينظرون سوى بعين واحده فقط، عين تنظر للفوز فقط وعداء وكره الآخر، عين تدمع لحالة الكسب قبل الخسارة، عين تحمل الحقد والوعيد والتهديد ولكم أن تتخيلوا أحبتي مدى انعكاس ذلك الشعور على تصرفات أولئك الشباب ليس فقط في الساعات التي تلي مقابلتهم الكروية وإنما على النمط العام لحياته وتعامله مع الآخر. لكم أن تتخيلوا أن هذا الشعور سيلازم الشاب في جميع تعاملاته المستقبلية وعلى جميع الأصعدة، في المنزل والحياة الأسرية والعائلية وفي العمل والحياة الوظيفية.
إننا ننتظر أن تأخذ الأندية بأيدي شبابنا رجال المستقبل وسواعد البلاد إلى نجاحات ثقافية إبداعية، ننتظر منهم توظيف ذلك الميول واستسلام العواطف فيما يعود بالنفع على شبابنا وهم صغار اليوم ويحقق الرفعة والسؤدد لهم وهم كبار غداً لا أن يزرع في نفوسهم الكبرياء والغرور وكره الآخر. ننتظر منهم على الأقل أن يزرعوا ثقافة الفوز والخسارة على حد سواء لدى شبابنا إن قبلنا أن تكتفي الأندية بدورها الرياضي.
أخيراً ننتظر منهم أن يحذفوا أول كلمتين من ذلك الشعار الذي يعلق على لوحة النادي الخارجية وتعلق أول كلمتين منه داخل أورقة النادي للأبد.
والله من وراء القصد،،،