Al Jazirah NewsPaper Saturday  26/06/2010 G Issue 13785
السبت 14 رجب 1431   العدد  13785
 
ثلاثة مطارات.. لا مطار واحد تحتاجها مكة المكرمة
د. عبدالملك بن عبدالله زيد الخيال

 

تحدثت في مقال سابق عن تخطيط مكة المكرمة والمدينة المنورة للألف سنة القادمة، وذكرت أن المملكة العربية السعودية تتمتع بخصوصية فريدة بين بلاد العالم الإسلامي، وهي خصوصية دينية.

تجعل لها وضعاً مميزاً بين الدول الإسلامية، فعلى أرض المملكة يُوجد الحرمان الشريفان: الحرم المكي والحرم النبوي، اللذان يسعى كل مسلم لزيارتهما.

وأحد أركان الإسلام حج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً.. فالحج واجب على كل مسلم مستطيع مرة واحدة في العمر.

والاستطاعة هي أن يكون المسلم صحيح البدن، يملك من المواصلات ما يصل به إلى مكة حسب حاله.

وكما تعرفون أنه في عام (1375هـ) بدأ العمل في توسعة المسجد الحرام والتي تُعرف بالتوسعة السعودية الأولى، في عهد الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود -يرحمه الله-، ثم بدأت أقصى توسعة جديدة في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- لتوسعة المسجد الحرام المبارك، وذلك لرفع طاقته الاستيعابية إلى أكبر حد ممكن، لتوفير مزيد من الأماكن للصلاة في المسجد أو فيما حوله من الساحات. وقد بلغت مساحة الإضافة (76.000) متر مربع وتناولت توسعة المسجد الحرام من الناحية الغربية من (السوق الصغير) باب العمرة وباب الملك مما يستوعب حوالي (140.000) مصلٍّ، في الطابق الأرضي والعلوم والسطح، وفي وقتنا الحاضر أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله -حفظه الله- بتوسعة عظيمة لم تشهدها مكة المكرمة من قبل.وفي يومنا الحاضر اكتظت مكة المكرمة بالسكان، وكثرت السيارات، وأصبحت مزدحمة مرورياً، وكثر التلوث البيئي، و... و... و... ويعود ذلك إلى النشاط البشري المتنوع وأصبحت الحياة صعبة فيهما.واقترحت سابقاً الإزالة التدريجية لجميع النشاطات البشرية إلى خارج حدود مكة، وجعلها فقط مكاناً للعبادة، ومن عجائب الدنيا بجمالها، وروعة المكان المحيط بهما، بجانب تخصيصها، لإقامة سكان مكة ومن يخدمون المعتمرين والحجاج ومن يفد إليها من المعتمرين طوال العام، وللحجاج في وقت الحج، وتجميلها وإحاطتهما بالحدائق الغنَّاء التي تريح الناظرين.

وربطها بطرق عصرية وقطارات و(مترو) سريعة تنقل الحشود البشرية بيسر وسهولة من وإلى مكة من سائر المناطق.

وبجانب تطوير مكة تطويراً شاملاً مثل ما يتم حالياً من تطوير للحرم المكي الشريف، لتصبح للطائفين والعاكفين والركع السجود لتوافق قوله تعالى: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (125) سورة البقرة.

ويصاحب التطوير عادة مشاكل النقل والمرور الذي يُشكّل أهم القضايا الرئيسة لمكة المكرمة حيث تختلف في ذلك الشأن عن جميع مدن العالم.. وذلك من حيث احتياجات النقل فيها نظراً للتغيرات الكبيرة التي تحدث في مواسم الحج والعمرة، حيث تشهد المدينة أعلى كثافة نقل فيها خلال موسم الحج.. وكذلك خلال مواسم العمرة في رمضان والإجازات الرسمية.. ونظراً للزيادة المستمرة في أعداد الحجاج والمعتمرين فإن المدينة تشهد تزايداً في معدلات الازدحام المروري.. مما يترتب على ذلك المزيد من تأخير المركبات وتلوث الهواء وحدوث الضوضاء.. لذلك فالحاجة دائماً قائمة لتوفير أنظمة نقل فاعلة وكذلك توفير حلول مرورية علمية لرفع كفاءة شبكات ووسائط النقل.. ولا ننسى أن المملكة بدأت بتكوين البنية التحتية للسياحة الدينية، وبالتالي يجب أن يكون لنا خطة طموحة تستهدف نقلة حضارية كبرى لمكة وتضم خطة تنموية وسياحية لجذب أعداد كبيرة من مسلمي العالم (أكثر من مليار و200 مليون مسلم).

وللتقليل من مشاكل المرور وأعداد المركبات على الطرق، يجب تطوير وسائل نقل تحت الأرض (مترو الأنفاق) ووسائل النقل الجوي.

وفكرة إنشاء مطار لمكة فكرة تداولها الناس والكُتّاب منذ زمن، آخرها موافقة مجلس الشورى على إنشاء مطار خارج حدود الحرم المكي.

فعلاً الوقت قد حان لنفكر جدياً في البنية التحتية للنقل الجوي لمنطقة مكة المكرمة، حيث إن مكة المكرمة في حاجة ماسة لمطار أو أكثر.

النظرة المستقبلية تقول إن مكة المكرمة وما يحيط بها من مناطق سوف تكتظ بالبناء والسكان في المستقبل القريب، وبالتالي سوف لا نجد أي مساحة خالية يمكن أن يُنشأ بها مطار أو أكثر في المستقبل.

وهناك خمسة مواقيت مكانية يحرم منها القادمون للحج وليست جدة أحدها، هذه المواقيت لمن مر عليها من أهلها أو من غيرهم.. ومن لم يكن على طريقه ميقات أحرم عند محاذاته لأقرب ميقات.

والمواقيت هي:

ذو الحليفة: وتبعد عن مكة 428 كم.

الجحفة: قرية بينها وبين البحر الأحمر 10 كم، وهي الآن خراب، ويحرم الناس من رابغ التي تبعد عن مكة 186 كم.

يلملم: وادٍ على طريق اليمن يبعد 120 كم عن مكة، ويحرم الناس الآن من قرية السعدية.

قرن المنازل: واسمه الآن السيل الكبير يبعد حوالي 75 كم عن مكة.

ذات عرق: ويُسمى الضريبة يبعد 100 كم عن مكة، وهو مهجور الآن لا يمر عليه طريق.

كما أن التوقعات تشير إلى أن المملكة العربية السعودية ستشهد نمواً ملحوظاً بمعدل 5% على مستوى أعداد السياح القادمين على أساس سنوي، ومن المتوقع أيضاً أن يزداد التدفق السياحي بنسبة 6.5% أو أكثر على أساس سنوي بحلول العام 2014، وذلك نظراً لسمعة المملكة في العالم بين أوساط السياح مثل سياح الأعمال والعلاج وارتياد المصايف في عسير والطائف، هذا بجانب ازدياد أعداد من يأتون للعمرة والحج وغير ذلك، بسبب مركزها الديني والاقتصادي.

المنطق والتخطيط السليم يقول إننا في حاجة لإنشاء ثلاثة مطارات متصلة ببعضها (3×1).. وليس مطاراً واحداً، بين مكة وجدة، لها مدرجات مشتركة لهبوط الطائرات العملاقة، كما تشترك في أمور كثيرة لها علاقة ببعضها.

والتساؤل لماذا ثلاثة مطارات، والإجابة لاستقبال ثلاث نوعيات من البشر.

المطار الأول: يستقبل طائرات بها ركاب مسلمون.. بينما قد يكون من ضمن طاقم الطائرة أشخاص من غير المسلمين.. لذلك مبنى المطار في هذه الحالة يجب أن يكون خارج حدود مكة المكرمة.

المطار الثاني: يستقبل طائرات ركابها وطاقمها جميعهم من المسلمين الذين يأتون من خارج المملكة وبخاصة من العالم الإسلامي.

المطار الثالث: يستقبل الطائرات السعودية الداخلية بركاب مسلمين من جميع مطارات المملكة ليس به صالة جوازات.

لماذا ثلاثة مطارات؟.. ثلاثة مطارات للمستقبل وللألف سنة القادمة، فزيادة تكاليف ثلاثة مطارات ليست كبيرة على تكاليف مطار واحد، والمستقبل كفيل بتغطية فرق التكاليف، لذلك يمكن أن نخطط لإنشاء 3×1 مطار.. أي ثلاثة مطارات متصلة بها مدارج هبوط تستقبل أكبر الطائرات المصنعة حالياً.. وما قد يصنع مستقبلاً والذي قد يفوقها في الكبر، وتُربط تلك المطارات بشبكة قطارات ومترو توصل لجميع مناطق المشاعر والقرى المجاورة وجدة والمدينة المنورة.. ولباقي مدن المملكة.. (الأمور الخدمية مشتركة، برج المراقبة مشترك)، لا نريد بعد عشر سنوات أو أكثر أن نقول إننا نحتاج لتوسعة لتلك المطارات.

إن التخطيط السليم للنقل الجوي لمكة المكرمة يتطلب نظرة مستقبلية للألف سنة القادم، بذلك سوف تقل مظاهر انتداب الآلاف المؤلفة من رجال المرور والشرطة ورجال الدفاع المدني والحرس الوطني والجيش وغير ذلك في وقت الحج، وسنستغني عن الكثير منهم، وعن كثير من المركبات الكبيرة التي تملأ طرقات المشاعر، في كل الأوقات، وذلك سوف يقلل من الازدحام المروري والحوادث المرورية، وبالتالي يقلل من التلوث البيئي للمشاعر، وبذلك تقل الأمراض المختلفة، وبالتالي يقل الإنفاق على الصحة العامة، ونوفر البلايين والبلايين.. تصوروا إذا حظر الزائر لمكة بالطائرة من أي مكان في العالم، وتنقل بين المشاعر بالقطار والمترو بكل يسر وسهولة، بجانب وجود مكاتب للاستعلامات في كل مكان، إذا أراد السائح أو المعتمر أو الحاج الاستفسار عن أي شيء يكون من خلالها، سيكون ذلك منتهى التقدم والتحضر لبلادنا.

ولذلك أقول إن إنشاء ثلاثة مطارات مشتركة في خارج وداخل حدود الحرم بمكة المكرمة، له جدوى اقتصادية كبيرة، خصوصاً في ظل زيادة حركة سفر المعتمرين والحجاج سنوياً وزيادة السياحة الدينية، وتوفر بدائل متعددة للسفر.

ولذلك يجب أن يتضمن مخطط مكة المكرمة المستقبلي إيجاد تلك المطارات.. وأن يكون في المنطقة الواقعة خارج وداخل حدود الحرم بين مكة المكرمة وجدة (تقريباً جنوب غرب الشميسي) لتغطية الاحتياج والتطوير والتنمية للألف سنة قادمة.. صالة ركاب المطار الأول خارج حدود الحرم، بينما صالة ركاب المطار الثاني والثالث داخل حدود الحرم، بحيث تكون صالة ركاب السعوديين الأقرب لمكة المكرمة.. هذا بجانب إنشاء مجموعة من الفنادق العالمية لإيواء هذا العدد الكبير من الزائرين.

أكرر وأقول إن مكة المكرمة تشهد حركة تنمية عظيمة، وزيادة متصاعدة في عدد السكان والزائرين، بسبب الإقبال الكبير الذي تشهده في مواسم العمرة والحج، وبالتالي سيكون العائد الاقتصادي كبير جداً.

ولا تنسوا أنه من الطبيعي أن يكون هناك أكثر من مطار في المنطقة.. فهناك مدن عالمية يوجد بها أكثر من مطار (باريس، لندن، نيويورك وغيرهم الكثير).

وتذكروا أن وجود تلك المطارات سيسهم كثيراً في التخفيف من عناء السفر للحجاج وضيوف بيت الله الحرام، وذلك باختصار الزمن وتقريب المسافة ومدة الانتظار.. كما أن ذلك سيفك الاختناقات عن مطار الملك عبدالعزيز بجدة.. وسيجد الحاج بدائل متعددة لنقاط الوصول والسفر بحسب وقته وراحته.

والله من وراء القصد.

عضو مجلس الشورى




للتواصل مع الكاتب: aazk09@gmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد