نحن نفخر دائماً بأن الاقتصاد السعودي هو الأكبر في المنطقة، وهذه حقيقة لا جدال فيها، وهو أمر يقتضي أن نعي أن هذه مسؤولية وتكليف، وأن ذلك يفرض علينا، كمجتمع اقتصادي، أن نعمل وفق عمل مؤسسي، وأن يكون أداء الأعمال والأنشطة الاقتصادية ضمن الأنظمة، ورغم ذلك، نجد أن هناك عدة تشوهات تسيئ إلى سمعة الاقتصاد، وتخلق حالات من الخلل تؤدي، بالضرورة، إلى تجاوزات تشكل مصادر غش وتدليس على الاقتصاد والناس. ويفترض أن تكون الأجهزة الرسمية المختصة واعية لمثل هذه التجاوزات، وتعمل، بقدر إمكاناتها، على القضاء عليها. وقد انتشرت في الآونة الأخيرة إعلانات صريحة في الصحف المحلية، وبشكل مكثّف، لأشخاص وجهات غير مرخّصة، وبالتالي فهي غير نظامية، وهو نوع صارخ من التشوهات الاقتصادية، أشخاص وجهات غير مرخّصة تقدّم خدمات مالية بعيداً عن إشراف ورقابة الجهات المالية الرسمية المختصّة.
هذه الإعلانات تروّج لتقديم مبالغ مالية لتسديد قروض قائمة مستحقّة لبنوك تجارية يتم تحديدها بالاسم، واستخراج قروض بديلة، وإعلانات لتقديم أموال، بطرق شرعية، كما تدعي هذه الإعلانات، لتمويل شراء أجهزة ومعدات وسيارات، وربما رحلات صيفية. إعلانات لأشخاص تحت اسم (أبو فلان وأبوعلاّن)، وأرقام هواتف جوال، دون رقم ثابت، واسم رسمي واضح، وعنوان واضح، ويتم نشر هذه الإعلانات بكل جرأة وصفاقة، تحت أعين الجهات الرسمية المعنية، وهي تتفرّج وتصمت ولا تتحرّك، وكأن الأمر لا يعنيها، دون أن تدرك، ولا أدري لماذا، خطورة هذه الإعلانات، وتبعاتها، وأنها في الأصل غير نظامية، ولا أحد يعرف هؤلاء الأشخاص، أو الجهات، ومن أين مصدر هذه الأموال التي تموّل القروض، وتقدّم خدمات تقسيط، وتدعي أنها موافقة للشريعة الإسلامية، هكذا بدون ضوابط، وبدون أنظمة تحكم هذا العمل المالي الصرف والواضح.
وهذه تشوهات لا تُحمد عقباها، وقد تتطوّر وتكون غطاءً لغسيل الأموال، أو تمويل الإرهاب، أو تمرير أموال الفساد المالي، والتغطية على أسماء وهوامير.
هذه تشوهات تحتاج إلى علاج فوري من الجهات الرسمية ذات العلاقة. ولعلّ من الضروري أن يتم التنسيق مع الجهة المختصّة بوزارة الثقافة والإعلام، وربما مع هيئة الصحفيين، لبحث هذا الموضوع مع رؤساء تحرير الصحف المحلية، لشرح خطورة نشر مثل هذه الإعلانات، ذات الثمن الرخيص، على الاقتصاد وعلى المجتمع، ووضع ضوابط صارمة ومهنية لنشر الإعلانات، بحيث تتم وفق النظام، وأن أي إعلانات مالية، يجب أن يتم الحصول على موافقة مسبقة لنشرها من قبل الجهة المختصّة، تماماً كما تشترط وزارة الصحة، وربما غيرها، قبل نشر أي إعلان يخص أي نشاط صحي أو طبي.
أعود وأقول إن العمل المؤسسي يعمل على زيادة ضبط إيقاع الاقتصاد، ويقضي على أي تشوهات.
ومن المهم جداً أن نحرص على هذا الجانب الاقتصادي المهم، خاصة في مثل هذه المرحلة التنموية النوعية التي يمر بها الاقتصاد السعودي؛ لأننا بكل بساطة نرسم معالم إقتصاد المستقبل.
رئيس دار الدراسات الإقتصادية - الرياض