لو كنت مصحح اللغة في الجريدة لوضعت نصب عيني يقيني بإمكانية أن يقع الكاتب في خطأ، وإن كان من جهابذة اللغة، ولأعطيت انتباهتي لما يرد منه من زلل القلم، وما تركت حرفاً زائداً، أو آخر في غير مكانه، ولسألته عن كلمة غامضة، أو حرفاً ناقصاً، ولصوَّبت الخطأ النحوي، والإملائي، ذلك بعد أن اعتمد الكتَّاب على أنفسهم في طباعة ما يكتبون وإيداعها صناديق إرسالهم الخاصة.. في الوقت الذي ذهب المصحّحون يسبغون تقديرهم للكتاب فلا يدققون كثيراً من بعدهم.
لو كنتُ مكان مسؤولي شركات النظافة العامة لغيرت جداول العاملين الساعين لتنظيف الشوارع والحدائق العامة، ولجعلتها لفترتين تبدآن من السادسة مساء إلى الثانية عشرة منتصف الليل، ومن الثانية عشرة للسادسة صباحاً، اتقاء لإصاباتهم بضربات الشمس، ولإسباغ الرحمة بهم وهم كادحون لا يملكون الامتناع عن العمل.
لو كنت مكان الأطباء لجعلت جزءاً من وقتي لعلاج من تنهشه الآلام وينهشه فراغ جيبه عن إسكاتها.
لو كنت مكان مديرات المدارس في المباني القديمة المستأجرة لحرصت على أن تمرَّ يدُ النظافة بزوايا الأبواب، وحواف الجدران، حيث يعشش الغبار.
لو كنت مكان التجار لما قلت: هل من مزيد..؟
لو كنت مكان دواليب العربات لأخبرت ملاكها عن المسافات التي ينهبها السائقون وهم في غفلة.
لو كنت خزينة ملابس في البيوت لعقدت مقارنة بين محتوياتي وأثمانها وبين محتويات خزائن الكتب إن وجدت فيها.
لو كنت لا أتكلم فلأنني أشعر,..
وإن كنت لا أركض فلأنهم يتناكبون..
وإن كنت لا أفرح فلأنهم يألمون..
كل نبضة لا يعلم أحد أن مثلها في جوف الآخر، ليست إلا رصيدا عند محكمة المواقف.