Al Jazirah NewsPaper Saturday  26/06/2010 G Issue 13785
السبت 14 رجب 1431   العدد  13785
 
المسكوت عنه
شائعات الفساد وفساد الشائعات
د. حمزة بن محمد السالم

 

مجتمعنا السعودي مجتمع تغلب عليه ثقافة التكتم والسرية في شتى مجالات حياته. هذه الثقافة لم تأتِ من فراغ، بل هي نتاج عقود من الزمن اختلط فيها الفساد الإداري والمالي بأساطير العين والحسد ولُبست بلباس الدين وقدمت للمجتمع على مائدة «أها بس!!» التي تحكي صورة من صور الاستهتار بإنسانية الإنسان والاستخفاف بعقله واستبعاد المواطن من أي مشاركة في اتخاذ القرار. هذه الثقافة الكهنوتية هي أفضل ماكينة لتفريخ الشائعات، وأدفأ حضن لتربية الفساد، وأشد معول لهدم الحضارات.

كثرت مشاريع الوطن في هذه الفترة المشرقة المباركة من العهد السعودي، التي نعيشها هذه الأيام بفضل من الله بسبب هذا الملك الصالح المبارك. مشاريع بناء الدولة السعودية الحديثة تقدر قيمها بأرقام فلكية. فقد علم الله صدق الإمام العادل عبد الله بن عبد العزيز - ومن يصدق الله يصدقه - فسُخرت له مجريات الأمور وفُجرت على يديه منابع الأموال فسالت له أنهر الثروات فلم يعبث بها، بل أرسلها كالريح الطيبة كما هي دون إتاوة ولا استقطاع إلى مشاريع تنمية بلاده يبني مجدها، فهي ثروة الوطن ومن الوطن وإلى الوطن.

أرقام مشاريع فلكية لم يألفها الناس، ومع غياب للشفافية فلا عجب أن ينتشر بين الناس قصص الفساد الإداري والمالي وحكايا الرشاوى والاختلاسات وخطط مشاريع المحسوبيات. وأنا أعتقد - وأدين لله بذلك - أن أحاديث المجالس هذه مبالغ فيها إلى درجة كبيرة وغير صحيحة في معظمها، ولكن سببها هم المسؤولون الذين أوجدوا هذه الشائعات بإخفائهم للمعلومات المتعلقة بهذه المشاريع. هذه الشائعات وإن كانت في معظمها باطلة فإنها تنتج امتعاضا سياسيا من رجل الشارع وبلبلة فكرية اجتماعية تنتشر بسرعة وتتوالد بشكل مخيف في عصر المعلومات. والآثار الخطيرة للشائعات لا يخفى ضررها على ذي نظر، وأهون آثارها أن تُخرج شعبا كسولا اتكاليا قد حطمته أساطير الفساد، همُّ أبنائه نهب الوطن والاقتيات على مقدراته.

ولم أر في عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التمام، فما يضير المسؤولين عن هذه المشاريع أن يضعوا أرقام التكاليف مفصلة في صفحة المشروع الإلكترونية بل وحتى أمام المشروع في لوحة كبيرة بجانب لوحة المشرف الهندسي والاستشاري والمطور. والأرقام وحدها لا تدفع ريبة ولا تغني من فضول ولا تقطع شكا ولا تمنع تقولا، بل يجب أن تُقرن الأرقام بمشاريع مشابهة في أنحاء العالم ليتميز الفرق ويعلم الناس أن شائعات الفساد الإداري (كسوء التدبير) أو الفساد المالي أو كليهما التي يتناقلها الناس في كل مكان وعلى كل المستويات عن مشاريع القطارات والجامعات وغيرها ما هي إلا أكاذيب اختلقها حفنة من المغرضين بالوطن المتربصين بقياداته ومن ثم رددها من بعدهم الناس في غياب المعلومة الموثقة بالأرقام المقارنة بالمشاريع المشابهة في دول العالم.

أهم عامل في محاربة الفساد وشائعاته هو الإفصاح، ولكل بلد ثقافته وأوضاعه الخاصة السياسية الخاصة به. فهناك البرلمان في الدول المتقدمة والصحافة الحرة التي تقضي إلى حد كبير على الفساد. وعندنا وضع «الخصوصية» لذا فكشف أرقام المشاريع مع مقارنتها بمثيلاتها في دول العالم على الصفحات الإلكترونية الرسمية لهذه المشاريع وأمام الإنشاءات لهو أفضل ضابط يضبط شائعات الفساد وفساد الشائعات.

إن مما سكت عنه أن بعضنا لم يدرك بعد أن السعودي اليوم ليس هو سعودي الأمس، فلن تنفع معه المسكنات الدينية أو المادية، بل المعلومة الحقيقية المقارنة بأمثالها هي أنجع أداة لإقناعه وأقلها كلفة وأنفعها للوطن، فابن الوطن يريد أن يعلم يقينا أين ذهبت أموال الوطن.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد