ذهبت إلى مدرسة ابني كي أستلم شهادته الدراسية لمعرفة نتيجته النهائية في ظل إلحاحه المستمر، وحتى لا يتوهم أنه الوحيد الذي لم يستلم نتيجته الدراسية، فوجدت عند باب المدرسة لوحة إعلانية ُتفيد أن (استلام الشهادات)...
...سيكون بمشيئة الله في نهاية الفصل الدراسي يوم الأربعاء 18 رجب 1431هـ، فتعجبت محدثاً نفسي بهذا التساؤل: هل يُعقل أن يستلم طالب الابتدائي شهادته بعد شهر من إجراء تقويمه الدراسي؟. مع ذلك دخلت المدرسة كي أستفهم بشكل مباشر عن حقيقة التاريخ الموجود في اللوحة الإعلانية، فأخبروني أن ذلك تم استناداً على (تعميم) ورد إلى إدارة المدرسة، صادر من مكتب التربية والتعليم في شمال الرياض بتاريخ 2 رجب 1431هـ، موضوعه (استمرار الدراسة)، وفي صدره كلمتا (هام جداً)، وهو مكون من ثلاث فقرات، حيث يؤكد بوضوح وبشكل محدد في فقرته الأولى: استمرار طلاب المدارس الابتدائية إلى آخر يوم دراسي، وفي الفقرة الثانية: عدم تسليم النتائج قبل الموعد المحدد في التعميم رقم 2-7-129 بتاريخ 29 ربيع الأول 1431هـ، أما الفقرة الثالثة فتقول: إعداد تقرير أسبوعي عن غياب الطلاب للأسابيع الثلاثة القادمة.
قبل مناقشة فحوى التعميم لابد من التعليق على مسألة التواريخ المذكورة فيه. فالتعميم صادر بتاريخ (2 رجب 1431هـ) أي في منتصف الأسبوع الذي يسبق أسبوعي اختبارات مرحلتي المتوسطة والثانوية.. بينما الفقرة الثالثة من التعميم تطلب من المدرسة إعداد تقرير أسبوعي عن غياب الطلاب للأسابيع الثلاثة القادمة، يعني رصد الغياب من تاريخ صدور التعميم حتى تاريخ 23 رجب 1431هـ، أي إلى ما بعد نهاية الاختبارات. فهل هذا معقول؟ بل ماذا نستنتج من عدم الدقة في تواريخ تعميم هام جداً، بل يقوم على توجيه العملية التعليمية بالنسبة لنهاية العام الدراسي.
برأيي أن عدم الدقة تلك تعكس إشكالية في الفكرة الأساسية التي قام عليها التعميم، والهدف المبهم الذي يسعى إلى تحقيقه عندما يكون التعامل مع طلبة الابتدائي من خلال (أسلوب إداري جاف) وليس أسلوباً تعليمياً تربوياً، بحرمان هؤلاء الصغار من معرفة نتائجهم الدراسية وقد أنهوا دروسهم، بل وإجبارهم على الحضور للمدرسة سواءً في أيام الاختبارات، أو ما قبلها بحجة استمرار الدراسة حتى نهاية آخر يوم في العام، في ظل أجواء صيفية ملتهبة ترتفع فيها درجة الحرارة إلى معدلات قياسية، مع افتقار أغلب المدارس إلى برامج تعليمية وتثقيفية يمكن أن تتكامل مع الرسالة التربوية وينسجم معها الطالب، بحيث تكون بديلاً مفيداً لوقت الفراغ الذي يقضيه في المدرسة. فضلاً عن انشغال المدارس بإداراتها ولجانها وأساتذتها في التحضير للاختبارات بشكل جيد ومتقن. ناهيك عن حالة الإرباك التي تتعرض لها العائلات بسيناريو يومي يبدأ من إيقاظ أطفالهم وإيصالهم إلى المدارس ومن ثم إعادتهم في فترة لا تتجاوز أربع ساعات كأقصى حدّ، خاصةً في أيام اختبارات طلبة المرحلتين المتوسطة والثانوية، تلك الإشكالية تكشف عن حقيقة مازالت وزارة التربية والتعليم تتجاوزها في تعاطيها مع الواقع التعليمي، حقيقة ارتبطت بمسألة (التخطيط الزمني) المتقن للفصل الدراسي أو العام الدراسي بشكل أشمل، سواءً بوجوب مراعاة أعمار الطلاب والمراحل الدراسية، أو المواءمة بين الأجواء المناخية والمواد الدراسية (المناهج) مع الأسابيع المخصصة لذلك.
فنظرة سريعة للخطة الزمنية للعام الدراسي الحالي تلحظ تفاوتاً عجيباً، وكأن المسئولين الذين اجتمعوا واجتهدوا ثم قرروا عدد وتوزيع أسابيع العام الدراسية لا يدرون حقيقة ما يجري على أرض الواقع التعليمي، فالتفاوت المقصود يبدو في جانبين الواحد منهما مرتبط بالآخر، الجانب الأول يتعلق ب(أسابيع التوقف عن الدراسة) خلال العام الدراسي كأسبوع (إجازة منتصف العام) الفاصل بين الفصل الدراسيين الأول والثاني، الذي ُيعرف سابقاً ب(عطلة الربيع)، أو أسبوع (منتصف الفصل الدراسي) الذي يكون خلال الفصل الدراسي الواحد. هذا التوقف أصبح مشكلة للعائلات مع أولادهم، فمن جهة يُسبب إرباكا في برنامج العائلة اليومي بعودة الأبناء إلى أجواء الإجازات، ومن جهة أخرى ُيطيل عامهم الدراسي، في مقابل أنه لا يحقق لهم فائدة تجديد النشاط بسفر أو زيارات لقلة أيامه.
الجانب الآخر يتعلق بالأسبوعين الأخيرين من كل فصل دراسي أي اللذين يسبقان اختبارات مرحلتي المتوسطة والثانوية، فلا تدري ما الحاجة التعليمية أو الداعي التربوي لهما؟، إذا كانت المدارس تستطيع تغطية المناهج وإنهاء تقاويم الطلبة خلال أسابيع الفصل الدراسي، وهو ما تحققه بالفعل كل عام. فعلى سبيل المثال.. إذا كانت الأسابيع الدراسية للفصل الدراسي الثاني من العام الجاري 18 أسبوعاً (دراسة واختبارات)، ما المانع أن تكون 16 أسبوعاً؟. أو على الأقل 17 أسبوعاً، بحيث يضاف الأسبوع الزائد إلى إجازة منتصف العام فتكون أسبوعين بدل أسبوع فتحقق معنى الإجازة. أما أن غرض الوزارة من إطالة العام الدراسي - دون الاعتبار لحالة أجوائنا المناخية هو محاولة غير مباشرة لتقليص إجازة المعلمين قدر الإمكان بزيادة الأسابيع الدراسية عن الحد المسموح به لتغطية المناهج، وقبيل نهاية العام تصدر تعميمها الهام جداً بوجوب حضور الطلبة وتأخير تسليم شهاداتهم، كي تجبر المعلمين على التواجد في المدرسة، لأن تسليم الشهادات بعد إكمال تدريس المناهج وإنهاء التقاويم سيجعل هناك فراغاً زمنياً بين مرحلة الابتدائي ومرحلتي المتوسطة والثانوية، ما يعيد هذه القضية إلى دائرة الجدل الاجتماعي ويسبب صداعاً إعلامياً للوزارة، وعليه فإن التحديد الدقيق لأسابيع العام الدراسي بما يحقق التوافق بين (المناهج التعليمية) و(الاختبارات الفصلية) و(الإجازات الدراسية)كفيل بإذن الله بإنهاء إشكالية غياب الطلبة، سواءً قصرت إجازة المعلمين أو طالت دون الحاجة لتعميم يفتقر لأبسط معاني الدقة في التواريخ. والحديث بالمجمل ينسحب على تعليم البنات.
Kanaan999@hotmail.com