ما زالت المعارض التشكيلية التي تتولى تنفيذها لجنة الفنون التشكيلية بفرع الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون في جدة تدور حول النمطية التقليدية والمجاملات على حساب النوعية، ولا ترقى أبداً إلى مسمى المعارض التشكيلية المحترفة القائمة على التوجهات والمضامين الفنية الجلية، وتواكب الخطى السريعة التي تشهدها الساحة التشكيلية السعودية في سباق مع تطور الفن العربي والعالمي، والوصول إلى الرقي والتميز والازدهار وتقديم هذا الرافد المهم من ينبوع الفكر والثقافة بشكل حضاري. يحقق طموحات الفنانين، والمعرض الشخصي الذي أسمته (التشكيلي) لإحدى الفنانات الذي أقامته قبل أسابيع، دليل هذا التخبط!! فهو لا ينتمي إلى (الفن التشكيلي) ولا إلى (الفن الرقمي)، فالأعمال هي فوتوغرافية 100% نُفذت بواسطة الكاميرا (لا يهم النوع) كصورة فوتوغرافية وطبعت على البنار والفليكس، بتقنية استغلال إسقاطات الضوء على الأسطح اللامعة والمرايا وانعكاساتها المختلفة، واقتناص اللقطة المناسبة بالعدسة وإظهارها بطريقة مختلفة وغامضة أو مبهمة وغير مألوفة، وهذا الأسلوب معروف لدى الممتهنين في هذا المجال بالتصوير (التجريدي) الذي ظهر في الستينيات الميلادية من خلال تصوير المنشور والمرايات والبلورات وانعكاس الزجاج والماء, والأضواء الساقطة من خلال أفرع الأشجار والخطوط الجانبية لأشعة الشمس وقوس قزح وزجاجات المباني وكشافات السيارات الأمامية والخلفية أو سقوط النجوم والشهب في السماء، وتقنيات هذا النوع من التصوير متعددة (السولوويت، التلامسي، المركب، الكولاج، المباشر والماكرو) ونتائجها جميلة ومبهرة، وتنفذ عادة بالسرعة B، وأذكر أن هناك معرضا شاهدته من هذا النوع في ميلانو عام 2003م لمجموعة من الفنانين الإيطاليين منهم alberto blasi الجزيرة antonio salzano وغيرهما، لذا فالمعرض لا ينتمي إلى الفن الرقمي Digital Art الذي يعتمد على دمج الرسم والخطوط أوالأشكال والهيئات بالتقنيات المتاحة والوسائل والإمكانات المتوفرة في الحاسب الآلي في بناء العمل الفني، والاستعانة بالأدوات المساعدة، مثل: آلات التصوير الرقمية ومختلف البرامج المهيئة في الكمبيوتر، كالتأثيرات والمؤثرات والخطوط والمساحات والتكرار والتدرج والتظليل والحذف والإضافة والتصغير والتكبير وما إلى ذلك من الوسائط الحديثة المعاصرة في التعبير التي يعتمدها الفنان، موظفا رؤيته الابتكارية وخبرته التقنية، في إنتاج عمل فني جميل، وقد ظهر هذا الفن مع ظهور تقنيات الحاسب الآلي وتطوره قبل أكثر من ربع قرن، في الولايات المتحدة وأوروبا، وانتشر في أنحاء العالم بسرعة فائقة، وأصبح فنا قائما بذاته، حيث أخذ الفنان التشكيلي يتعامل ضمن هذه التيار ويتجه، ويتجاوز الاتجاهات والأساليب والنظريات الفنية التقليدية إلى آفاق الرؤية الحديثة بما يتلاءم مع ظروف العصر، وأضحى مطلوباً لاستخداماته التجارية الآلية المتعددة في وسائل الإعلان والتصميم والتلفزيون والسينما والجرافيكس ونحوها. ولا يمكن تصنيفه أيضاً إلى الفن التشكيلي الذي يعتمد على المهارة اليدوية والحس التعبيري والوجداني من خلال المواد المتاحة وتكويناتها وإعادة صياغتها شكلاً ونوعاً وفكرة، كالرسم والنحت والتجسيم والزخرفة وصنع الفخار والخزف والطين، والكولاج والحفر الغائر والبارز والباتيك والنسيج والأعمال المركبة، للتعبير عن الفكرة والموضوع.ومن حق أي فنان العرض وبأي وسيلة وطريقة وتسميته بأي عنوان، لكن على الجهة المنظمة التحقق من مضمون المعرض وتقنياته ووضعه ضمن الإطار الذي يخصه، خاصة أن تلك اللجنة تمثل جهة رسمية معتمدة وموقعها التربوي كخبير وناقد وموجه، من مهماتها تقديم الفن بواقعه الصحيح وعدم المبالغة في الإطراء والمديح التي تشكل خطورة كبيرة وتعقيدات وتشابكات على المتلقي والمتذوق، وينعكس مردودها السلبي على جمهور الفن، وعلى فكر وأداء الفنانين، يعيق تقدمهم وتطورهم ويركنون إلى تلك الكلمات التي أوصلتهم إلى النجومية والتألق، هذا الوضع المتناقض الذي يعيشه الفن التشكيلي السعودي سيحد من تطوره ويضع الممارسين فيه في حيرة متضاربة ستنتهي بهذا الفن إلى التهميش، واتساع الفجوة بينه وبين جمهوره، وبين الفنان الجاد ومتلقيه، وضياع حقوق الفن الحقيقي في ظل غياب التقييم لتجارب الفنانين ومدى جدية عطائهم، واختلاط المفاهيم في عدم وضوح الخط الفاصل بين مسمى مبدع ومبتدع، وركود الطرح الفني وعدم وجود فكر واتجاهات فلسفية محددة واضحة، الكل أصبح فناناً مبدعاً رائداً نجماً متألقاً متجدداً متفوقاً لامعاً متميزاً نجماً عالمياً.