رحل عن هذه الدنيا الفانية عمي الحبيب صالح بن فهد الفهد يوم الجمعة 13-7-1431هـ، وقد وجب على كل مَنْ يعرفك عن قُرب ذكر محاسنك وسيرتك العطرة، علماً بأني مهما قلت فلن أوفيك حقك؛ حيث إنك لم تكن لي عماً فقط بل كنت والداً بعد فراق والدي - رحمه الله - فلقد كان نبأ خبر وفاتك فاجعاً بشدة على النفس، ولكن الإيمان بقضاء الله وقدره واليقين بأن الموت حق جعلاني أردد (إنا لله وإنا إليه راجعون). وُلِد عمي في مركز الثوير، ثم انتقل بعدها إلى مركز علقه، وكلاهما يتبعان محافظة الزلفي، ثم انتقل إلى الرياض بحثاً عن لقمة العيش، واستقر بها مع أسرته، وعمل في إحدى المدارس مراسلاً، واستمر حتى تقاعد، وكان يؤذن في أحد المساجد، واستمر حتى أقعده الكبر عن ذلك.
أيها العم.. رغم عمرك الذي قارب المائة عام، ورغم لزومك الفراش الذي استمر أكثر من عشرين سنة، إلا أنه حزن عليك الكبير والصغير وجميع من يعرفك عن قرب.
أيها العم.. طيلة هذه المدة ولم يضجر جميع من قام بخدمتك وأنت على سريرك، بل كانوا يتشرفون ويتسابقون إلى ذلك، ولم أشاهد في يوم من الأيام أو أرَ بقربك خادماً أو خادمة، وهذا شيء يثلج الصدر. لقد عرفتك منذ سن الطفولة عماً حنوناً طيب الأخلاق بشوش الوجه حسن المحيا كثير المرح صاحب الطلعة البهية والأخلاق السامية والابتسامة الصافية الصادقة، هذه الابتسامة الدائمة المشرقة التي جعلها عنوان حياته، والتي كسب بها ود الجميع، فالكل يحبك ويأنس بقربك لأول مرة يقابلك، وما ذاك إلا لصفاء قلبك الطاهر وزكاء نفسك الطيبة. لقد اشتهرت بصلة الرحم حيث الكل يشهد لك بها، فرغم عدم معرفتك بالقيادة وعدم توافر وسيلة النقل لديك آنذاك وصغر أولادك لم يُثنك ذلك عن زيارة إخوتك وأقاربك رغم بعد المسافة بين الزلفي والرياض؛ حيث لا يهدأ لك بال حتى ترضي الجميع بالسلام عليهم في منازلهم. لقد ضربت أروع الأمثلة في صلة الرحم حتى أصبحت مثالاً يحتذى به على حدود العائلة، والكل يشهد بذلك، حتى وهو على فراشه تجده يسأل عن الجميع وعن أحوالهم، كما أنه كان يرحمه الله يحرص على الشفاعة الحسنة لا حُرم من شفاعة نبيه. لقد اشتهر بالكرم وجزالة النفس وطيب الخاطر؛ فحديثه لا يمل، وأحاديثه عن الماضي لا تنتهي، ومواقفه تتحدث عنه، وحبه وسؤاله عن الفقير والضعيف لم ينقطعا واستمرا في ذلك حتى عندما أُقعد على الفراش؛ حيث كان يرسل أحد أبنائه إذا دخل شعبان إلى محافظة الزلفي يوزع الصدقات على المحتاجين من الأقارب ومن غيرهم.
أيها العم.. إن كنت قد فارقت الحياة فذكراك الخالدة لن ننساها، ومواقفك النبيلة تخلد لك الذكر الحميد، ولن ننسى صوتك الرنان ونداءك لمن حولك وأنت على فراشك، ولن ينساك سريرك الذي لازمته أكثر من عشرين سنة حتى فارقت هذه الدنيا الزائلة.
أيها العم.. لقد خلفت زوجة وأولاداً وبنات صالحين، ألسنتهم تلهج بالدعاء لك في كل صلاة، وسوف يستمرون بإذن الله على ذلك.
أيها العم.. هنيئاً لمن قام بخدمتك طيلة هذه السنين من زوجة وولد وبنت، كلهم صابرون ومحتسبون يبغون الأجر والثواب من الله، لا حرمهم الله من قيام أبنائهم بهم، راجياً في الختام أن يجمعنا الله وإياك ووالدينا وأحبابنا في الفردوس الأعلى، وأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة، وأن يجعل ما قدم في ميزان أعماله يوم لا ينفع مال ولا بنون، كما أسأل المولى الكريم أن يطرح في ذريته البركة والصلاح وحُسْن البر به بعد موته.
عبدالله سليمان فهد الفهد