كتب الرحلات من أمتع الكتب.. يجد فيها القارئ المتعة والفائدة وكتاب «من وحي رحلات إلى خارج الوطن» للدكتور عبدالله الصالح العثيمين الصادر عن مكتبة الرشد أحد هذه الكتب الممتعة.
وقد أشار المؤلف إلى أول رحلة قام بها خارج الوطن وكانت إلى البحرين سنة 1375هـ عندما كان يدرس في السنة الثانية من المرحلة المتوسطة تلتها رحلة إلى الكويت عام 1379هـ.
وقال الدكتور عبدالله العثيمين عن زيارته لجامعة بولونيا الإيطالية العريقة: ما بين زيارتي الأولى لها والأخيرة خمسة وثلاثون عاماً كنت في الزيارة الأولى ضيفاً على أخ عزيز وصديق عمر ممتد من عهد الطفولة إلى عهد الكهولة وهو عبدالله العوهلي وكنت عند قيامي بتلك الزيارة في طريقي من مدينة أدنبرا الأسكتلندية حيث كنت في بداية دراستي للحصول على درجة الدكتوراه.. أما الزيارة الثانية فكانت عام 1999م حيث رتبت وزارة التعليم العالي في المملكة مع سفارة خادم الحرمين الشريفين في إيطاليا أن يذهب عدد من أساتذة الجامعات لإلقاء محاضرات في جامعات إيطالية.. ولقد كان تجوالي في وسط مدينة بولونيا قراءة يسيرة لصفحات تاريخها الذي لم يزده تعاقب القرون إلا وضوحاً واستشعاراً صافياً لعبير ماضيها الذي لم يزده مرور السنين إلا انتشاراً وإيحاء.. الدروب الضيقة وأفواج الطلبة والطالبات تملؤها سيراً على الأقدام أو فوق الدراجات والشوارع المسقوفة جوانبها بدكاكينها القديمة المليئة بكل ما يحتاج المرء إليه وقصور أصحاب النفوذ قديماً وحديثاً.
وتحت عنوان عبق الأخوة قال المؤلف: ما ألذ لعيني كاتب هذه السطور أن تقرأ برؤية ربوع قطر من أقطار أمته المترامية الأطراف وما أشهى لنفسه أن تتاح له فرص للقاء أهله.. ومن حسن حظه أن هيأ الله له زيارة أكثر الأقطار العربية فقرت عيناه بزيارتها وطابت نفسه بلقاء إخوته من أهلها فيها. ولليمن مهد الحضارة الأصيلة في النفس مكانة، وكان ممن سعدت بمعرفته في زيارتي الأولى لليمن المهندس حسن العيني.
كانت الرحلة ممتعة أيما إمتاع، ألفة مرحة، وخدمة بهجة رائعة، وكانت الإقامة في فندق الحوطة وهو فندق تراثي الصفات، فسيح الأرجاء، رحب الحدائق، وكان اليوم الأول من الزيارة السعيدة حافلاً بالنشاط، ومشاهدة أمكنة لها منزلتها التاريخية، ومن تلك الأمكنة قصر السلطان الكثيري في تلك المدينة ومدينة تريم الشهيرة تراثياً بما فيها مكتبتها الغنية بالمخطوطات القيمة.
وعن زيارته للمغرب كتب الدكتور عبدالله العثيمين تحت عنوان (في رحاب المغرب الجميلة): كانت أولى زياراتي للمغرب عام 1392هـ وكنت حينذاك قد عدت إلى وطني العزيز بعد أن حصلت على الدكتوراه.. كنت قد عرفت ما عرفت عن المغرب تاريخاً وتراثاً وجمالاً عبر قراءات دامت سنوات لكن الفرصة أتيحت لي كي أرى رأي العين ما كنت أعرفه قراءة ولا تسل عن سعادتي بما رأيت وما وجدته من مودة لدى من أسعدني الحظ بمعرفتهم من أهل المغرب ومما حدث لي هناك أني رغبت أن أشاهد أداء ملك المغرب لصلاة عيد الأضحى.. كيف يتم وصوله إلى المسجد وكيف ينصرف عنه بعد أداء الصلاة والاستماع إلى الخطبة وعلمت أنه سيؤدي الصلاة في مسجد القصر بالرباط فذهبت إلى هناك مرتدياً ثيابي السعودية، ولما وصلت إلى بوابة القصر قال لي الضابط الواقف عندها: هل لديك دعوة؟. قلت له: لا. قال لا بد من دعوة. قلت: أعان الله الجميع.
فابتسم وقال: أنت من أين؟ قلت له من السعودية وأريته جواز سفري فقال بلطف: تفضل ودخلت ومضيت إلى المسجد ثم جاء الملك وأديت الصلاة فخرجت ووقفت مع الواقفين لأشاهد كيفية مسيرة الملك من هناك عائداً إلى قصره.
وبعد أن مضى الملك بموكبه تقدمت إلى اثنين من الرجال وقلت لهما: إلى أين يذهب الناس الآن.
قالا: إلى بيوتهم.. قلت: والذي ليس لديه بيت في هذه البلاد؟ قالا تفضل معنا.. أنت من أين؟ قلت من السعودية.. وركبت معهما السيارة إلى بيت أحدهما فقدم لنا شاياً مغربياً ومعه خبز رقيق لذيذ إضافة إلى دفء الترحاب وحلاوته ثم غادرت بيته مع صاحب السيارة الذي أخذني إلى منزله وهناك قدم لي قهوة ثم صعد بي إلى سطح المنزل ليريني «الحولي» أي الكبش الذي سيذبحه أضحية.. وبعد أن فحصته أثنيت عليه بما أعرفه عن الغنم وما يتطلبه المقام من مجاملة وكان مضيفي ينتظر أخاه الأصغر منه ليقوم بذبح الكبش وأخوه لن يأتي إليه إلا بعد ساعتين فاقترح أن نذهب لتهنئة بعض أقاربه وأصدقائه وأيدت اقتراحه وكنا كلما دخلنا إلى بيت من بيوت أولئك الأقارب والأصدقاء قدموا لنا لحماً مشوياً وشاياً مغربياً.
وأشار المؤلف في زيارته إلى غرناطة.. وقال: ما أجمل تلك المدينة العطرة بتاريخ أمتنا العربية وتراثها وأبرز ما يشاهده الزائر لها قصر الحمراء المشهور وعند مدخل ذلك القصر راح المرشد يشرح تاريخ القصر بل وتاريخ الأندلس كلها وكان متحمساً جداً في بيان فضل العرب الحضاري في تشييد ما هو مفخرة لهم ولأهل تلك البلاد.