التغيير كلمة يحبها الجميع ويتسابق إليها الجادون.. والتغيير في رمضان له عبقه الخاص وأريجه المتميز فتجد الكل يحرص على التجديد والتغيير هذا في بيعه وشرائه وهذا في مطعمه وشرابه بل حتى القنوات الفضائية تتسابق بالجديد في برامجها ومسلسلاتها الرمضانية! ونحن أولى بالتغيير.. تغيير في الذات وتغيير في السلوك وتغيير في التعامل.. وتطور الأمم وازدهارها ليس بثباتها على المنهج الحسن بل بالتغيير للأحسن.. والآداب والأخلاق عنوان صلاح الأمم والمجتمعات وثمرة من ثمار حضارتها المتقدمة بل إنها تجسيدٌ عملي لقيم الأمة ومثلُها ففي الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خُلقا وخياركم خياركم لنسائكم).
وإن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم، الخُلق الحسن بجميع شمائله من الكرم والبذل والاحتمال، حسن الخُلق هو بسط الوجه وبذل الندى وكف الأذى. حسن الخُلق هو أن لا تغضب ولا تحقد وأن تحتمل ما يكون من الناس مع بسط الوجه وكظم الغيظ لله.. هو إظهار الطلاقة والبشر للناس والعفو عن المخطئ وكف الأذى.. حسن الخلق أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك.
ورمضان بجلاله ونفحاته فرصة للتغيير وفتح أبواب القلوب الموصدة ومد يد السخاء المغلولة.. رمضان شهر الصفاء والإحسان والصفح والغفران.. فما أجمل أن نجعله منطلقا للصفاء وميدانا للإخاء بيننا وبين من هجرناهم وأعلنا المقاطعة عليهم كل هذا بسبب الدنيا وتوافهها التي لا تساوي بل ولا تستحق أن يهجر الابن أباه أو الأخ أخاه أو الجار جاره.
رمضان فرصة للتغيير وتصحيح مسار الشخصية الواثقة بنفسها المعتدلة في تصرفاتها.. لذا يستغرب المرء أشد الاستغراب عندما يرى الانفصام والازدواجية والحيف في التعامل بين بعض أفراد المجتمع. انفصام بين الإيمان والخلق، بين العبادات والمعاملات. تجده رجلا صفيق الوجه غليظ التعامل لا يعبأ بخلق ولا نظام ولا تقدير ولا احترام لا يردعه خوف ولا حياء، وتجد نماذج ذلك حاضرة من خلال المشاهدات اليومية سواء في تعامل الزوج مع زوجته وحسن العشرة معها وعقوق الوالدين إلى التعدي على الآخرين ومضايقتهم في طرقاتهم، نلاحظ ذلك من خلال الجفوة بين الموظف والمراجع فيعطل معاملته ويماطل في إنجازها،
رمضان فرصة للتغيير في الأخلاق وخصوصا في التواضع ولين الجانب.. لذا كيف يتعالى الإنسان ويتكبر وهو مخلوق ضعيف فقير ناقص، نهايته هي نهاية كل حي.
كم هو جميل أيها الإخوة الكرام وخصوص في هذا الشهر الكريم شهر الخير والحب شهر التعاون والتكافل أن يكون المرء ليّن العريكة كريم الطبع جميل المعاشرة طلق الوجه بسّاما، يبدأ من لقيه بالسلام متواضعا من غير ذلة جوادا من غير إسراف رقيق القلب رحيما بالناس خافضا جناحه للمؤمنين ليّن الجانب لهم، يعود مريضهم ويشهد جنازتهم يرحم الصغير ويوقر الكبير يعطي الأجير أجره ولا يظلمه حقه، ولا يكلفه مالا يطيق. ومن كان خلاف ذلك فليعلم أن الله ليس في حاجة أن يترك المرء شرابه وطعامه!!