يبدو أنه في حقيقة الأمر أن الإنسان هو الإنسان في كل عصر ومكان، ولكن الميزة الفعلية للإنسان في كونه واحدا من مجموعة من الأفراد -أي الناس- هو أنه مستقل في ذاته، لا يشبه أو يماثل أي فرد -شخص- آخر في هذه المجموعة الإنسانية وخصوصاً في سلوكياته وتطلعاته المتنوعة.
|
فكل فرد من الناس له نظرته الخاصة به وحده تجاه الحياة وتجاه الآخرين من مجموعته الإنسانية ولهذا فهو في تفاعل مستمر مع الحياة، ومع الناس من حوله، وهو في تفاعله هذا له رؤيته وفلسفته الخاصة فيما يقوم به من أعمال وسلوكيات وتصرفات معينة. وهو في حاله هذه كفرد فإنه من الصعب أو قل إنه من المستحيل لفرد -شخص- آخر أن يسبر أغواره، وأن يدرك ما يقوم به من أفعال وتصرفات وماهية ما يقصده منها.. فنحن كناس لا يمكن لأي واحد منا أن يعرف الآخر أو ماهيته وأغراضه من سلوكه المتعدد، فليس لأي فرد منا الحكم على فرد منا آخر إلا بشكل ظاهري.
|
في وقتنا الحاضر فأي إنسان من الناس قد يرى تصرفات من أناس آخرين فيأخذ منها فكرة معينة، وهذه الفكرة في حقيقة الأمر قد تخالف ما كان يقصد المتصرف في هذا الأمر أو ذاك، فعلى سبيل المثال، قد يصادف الإنسان شخصاً معيناً يعتقد في ذاته أنه ذو مكانة اجتماعية مرموقة، ولهذا فهو يريد ويعمل على أن يكون الناس من حوله في وضع يحسون فيه بأنه أقل منه مكانة ومرتبة. وشخص آخر تظهر عليه علامات الترفع والتكبر حتى من كان يصادقه ويوده عندما يصل إلى مركز معين فهو قد ينفر من زيارة صديق مخلص له في وده اعتقاداً منه أن هذا الصديق لم يأت إليه إلا لغرض معين وشخص آخر قد ينعم عليه الله بالغنى فيبدأ بالنفور والابتعاد حتى من ذوي الرحم منه. وشخص آخر كان في مركز معين وكان يبجل ويحترم فيه فلما تركه فقد الاحترام والتقدير، فصار يبحث عنه بشتى الطرق والوسائل.. إلخ.
|
قال أبو الطيب المتنبي قبل مئات السنين:
|
توهم القوم أن العجز قرّبنا |
وفي التقرّب ما يدعو إلى التهم |
ولم تزل قلة الإنصاف قاطعة |
بين الرجال ولو كانوا ذوي رحم |
يقول أبو الطيب: يعتقد بعض الناس أن من يتقرب إليهم ويطريهم ما هو إلا دليل وتوهم على عجز هذا الإنسان عن طلب الرزق وأنه في حاجة إليهم، والتقرب هذا قد يدعو إلى التهمة، أي تهمة العجز والحاجة والذلة. وقلة الإنصاف وتركه بين الناس داعية للقطيعة وعدم التواصل بينهم، وهذا قد يحدث بين الناس حتى ولو كانوا ذوي رحم وأقارب.
|
نقول: الناس هم الناس في كل زمان ومكان
|
|