Al Jazirah NewsPaper Thursday  19/08/2010 G Issue 13839
الخميس 09 رمضان 1431   العدد  13839
 
التعامل مع قضية نزع السلاح بجدية
جاريث إيفانز

 

إن الناس ينسون في بعض الأحيان أن الصبي الذي صرخ «الذئب!» التهمه الذئب في النهاية. صحيح أن أحداً لم يُقتَل بسلاح نووي منذ إلقاء القنبلتين على هيروشيما وناجازاكي قبل خمسة وستين عاماً.

ومع تراجع ذكريات توترات الحرب الباردة نحو الماضي البعيد، فقد بات من السهل اليسير على المشرعين وصناع القرار السياسي والرأي العام مقاومة الأصوات المتشائمة، والشعور بالرضا عن الذات إزاء التهديدات التي لا تزال هذه الأسلحة تفرضها على العالم، والنظر إلى المحاولات الرامية إلى إزالتها أو احتواء انتشارها باعتبارها محاولات حسنة النية ولكنها عقيمة وغير مجدية.

ولكن الحقيقة هي أن الحظ المحض - وليس الحنكة السياسية-، أو الإدارة المحترفة البارعة، أو أي قاعدة راسخة مستقرة تحكم أنظمة السلاح النووي العالمي - هو الذي سمح لنا بالبقاء طيلة هذه الفترة من دون وقوع الكارثة.

ففي ظل وجود 23 ألف سلاح نووي (تعادل قوتها مائة وخمسين ألف قنبلة كتلك التي ألقيت على هيروشيما)، ومع نشر أكثر من سبعة آلاف من هذه الأسلحة فعلياً، وإبقاء أكثر من ألفين منها على وضع التأهب للإطلاق، لا يجوز لنا على الإطلاق أن نفترض أن حظنا سوف يصمد إلى ما لا نهاية.

ونحن نعلم الآن - بعد الكشف عن العديد من حالات انهيار الأنظمة الإلكترونية والأخطاء البشرية التي ارتكبها كل من الجانبين الأمريكي والروسي أثناء سنوات الحرب الباردة ومنذ انتهائها - أن حتى أكثر أنظمة التحكم والسيطرة تطوراً ليست مضمونة تماماً ضد الخطأ.

وهناك أيضاً الخطر الذي يبالغ في تقديره في بعض الأحيان، ولكنه بلا أدنى شك خطر لا يستهان به، والمتمثل في احتمال نجاح جهات إرهابية غير تابعة لدولة بعينها في وضع أيديها على أسلحة أو مواد انشطارية لا تتمتع بالقدر الكافي من التأمين، فتتسنى لها الفرصة بالتالي لتفجير قنبلة في أحد المراكز السكانية الكبيرة.

أضف إلى ذلك الاحتمال المزعج المتمثل في إصرار اللاعبين الجدد في مجال الطاقة النووية المدنية على بناء مرافق خاصة بهم لتخصيب اليورانيوم أو معالجة البلوتونيوم، وهي المرافق التي نستطيع أن نصفها عن حق «بأدوات تصنيع القنبلة النووية للمبتدئين».

عندما تولى الرئيس باراك أوباما منصبه كان متأهباً للتصدي لكافة هذه التهديدات، وعازماً، كما لم يسبق لأي رئيس أمريكي آخر - بل ونكاد نقول أي زعيم عالمي آخر - على إزالة هذه التهديدات.

والواقع أن رئاسته ألهمت العالم الأمل، حتى أن أكثر من عشرة أعوام من السير في المكان أصبحت في عداد الماضي، وجلبت بعض المكاسب المتواضعة على مدى العام ونصف العام الماضيين.

وتشتمل هذه المكاسب على إبرام معاهدة ستارت الجديدة بين الولايات المتحدة وروسيا، والتي تقضي بتقليص عدد الأسلحة الإستراتيجية المنتشرة بالفعل؛ فضلاً عن فرض بعض القيود المتواضعة على الدور الذي تلعبه الأسلحة النووية في العقيدة النووية الأمريكية؛ وانعقاد قمة واشنطن التي توصلت إلى اتفاق مفيد فيما يتصل بتنفيذ تدابير الأمن النووي المحسنة؛ والإجماع الذي تم التوصل إليه بشق الأنفس في إطار مؤتمر مراجعة معاهدة منع الانتشار النووي الذي اختتم مؤخراً، فيما يتصل باتخاذ خطوات مفيدة تشتمل على عقد مؤتمر في عام 2012 بشأن إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط.

بيد أن عملية التصديق على معاهدة ستارت لا تسير كما ينبغي لها في مجلس الشيوخ الأمريكي، فضلاً عن ذلك فإن التقدم الذي تم إحرازه فيما يتصل ببعض القضايا الرئيسية الأخرى كان إما بطيئاً أو مترددا: مثل إدخال معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية حيز التنفيذ؛ وبدء المفاوضات الخاصة بإبرام معاهدة جديدة لحظر إنتاج المواد الانشطارية الصالحة للاستخدام في تصنيع الأسلحة النووية؛ وتعزيز نظام منع الانتشار النووي بالاستعانة بتدابير فعّالة لكشف الانتهاكات وردع الانسحاب من المعاهدة؛ والتوصل إلى اتفاق بشأن بعض أشكال الإدارة الدولية للجوانب الأكثر حساسية من دورة الوقود النووي؛ وفي المقام الأول البدء في عقد جولات جديدة من محادثات نزع السلاح النووي، تضم كل البلدان الثمانية المسلحة نووياً، وليس القوتين النوويتين العظميين فقط.

إن الحد من التسلح ونزع السلاح النووي من المهام العصيبة غير الجذابة والتي لا تجلب إلا أقل القليل من النتائج السريعة.

والآن بعد أن أصبحت القضايا الداخلية والهموم المرتبطة بإعادة انتخاب الزعماء تهيمن على أغلب الأجندات السياسية، فمن المرجح أن يتضاءل الالتزام بكل سهولة.

وإذا كنا راغبين في تجنب هذه النتيجة فلا غنى لنا عن الزعامة المتواصلة من القمة - وفي المقام الأول من قِبَل أوباما والرئيس الروسي دميتري ميدفيدف.

ولكن هناك عدد من المساهمات الكبرى التي يستطيع تقديمها الزعماء والبلدان الأقل قوة فضلاً عن منظمات المجتمع المدني.

وتتلخص المهمة الأكثر إلحاحاً الآن في مبادرة هؤلاء الذين يتمتعون بأصوات ذات مصداقية على مستوى العالم إلى انتهاز كل فرصة ممكنة لسد الفجوة التي تخلقها حالة الرضا عن الذات.

ولابد وأن تكون الرسالة شديدة الوضوح: إن الأسلحة النووية ليست أشد الأسلحة التي اخترعها الإنسان فتكاً بأخيه الإنسان وأكثرها عشوائية في انتقاء ضحاياها فحسب، بل إنها الأسلحة الوحيدة القادرة على تدمير الحياة على كوكب الأرض كما نعرفها الآن.

وتتلخص المهمة الثانية في وضع أجندة عالمية واضحة للعمل على نزع الأسلحة النووية - شريطة أن تشتمل على جداول زمنية ومعالم جديرة بالثقة.

ولعله من الصعب للغاية في الوقت الحالي أن نحدد أهدافاً زمنية جديرة بالثقة للوصول إلى هدف «الصفر على مستوى العالم» من الأسلحة النووية: فما زلنا نواجه العديد من المشاكل الفنية الصعبة فيما يتصل بالتحقق والتنفيذ، هذا فضلاً عن المشاكل الجيوسياسية والنفسية.

ولكن ليس من المستحيل أن نعتبر عام 2025 هدفاً زمنياً لتقليص الترسانة النووية العالمية إلى أقل من 10% من حجمها الحالي، مع نشر عدد ضئيل للغاية من الأسلحة النووية، وتقليص دورها في العقيدة العسكرية لكافة الدول النووية بشكل جذري.

خاص بـ(الجزيرة)
وزير خارجية أستراليا الأسبق


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد