كنت ليلة الجمعة السابقة لرحيل الباذخ فكراً وعلماً وأدباً والرائد إدارة وإنسانية وعاطفة وشعراً، كنت مع الأستاذ الصديق الرائع حمد القاضي نتحدث عن مناقب أبي سهيل، وأعماله الجليلة الوطنية منذ أربعين عاماً في التعليم العالي، وسكة الحديد، والصناعة والكهرباء، والصحة ناهيك عن رياداته في الرؤية والقصة والشعر والدبلوماسية والحياة الإدارية القائمة على الصدق والنزاهة والفروسية، ومحبة الآخرين، وأخبرني أبو بدر القاضي بأن غازي في وضع صحي مربك في مستشفى التخصصي وأنه يعاني في العناية المركزة ولا يسمح للزائرين برؤيته تملكني حزن عميق وألم شديد.. لأنه خسارة كبيرة على مجتمعنا على جميع الصعد.. لقد كنا في شبابنا في الحارات قبل أن تصل مداميك التنمية إلى رياضنا الباسق كنا نحب ونحب ونحب (القصيبي) لأنه يمثل (المواطنين) ويحمل همهم ويحبهم ويسعى لمصالحهم.. ولم يسع لمصالح الكبار فقط.. كما يفعل الكثير ممن أنيط بهم الأمر.. والله إني لأتذكر أن المستشفيات تغيرت وأصبح اسم (القصيبي) مدعاة لاحترام المواطنين المرضى.. بعد زياراته المفاجئة التي نتابعها إعلامياً بعدما تنتهي.. وغيرها.. تذكرت أنني تمنيت لقاء القصيبي منذ بواكير الشباب وفي مرحلة الجامعة ما بين 1396 - 1400هـ وكنا نتجادل حول هذه الشخصية الأعجوبة الظاهرة أيقونة الزمان وأسطورة المكان.. ولم ألق غير أنني، بعثت للجامعة التي تخرج منها بالماجستير، في الإدارة لأحصل منها على الماجستير أيضاً، وهي جامعة جنوب كاليفورنيا، وعندما أسير في طرقات وردهات الجامعة ومكتبة (الدوهيني) أتذكر أن القصيبي مر من هنا.. أو هناك.. ويشاء القدر ويستجيب لرغبتي الكامنة عندما قبلت في جامعة لندن للدكتوراه التي تخرج منها غازي.. ومن حسن الطالع آنذاك - أن غازي كان سفيراً لنا في لندن عام 1994م..
فذهبت إليه في السفارة يوم الاربعاء (المخصص لصالونه الجميل) في بهو السفارة وكان أول لقاء تمنيته.. ويالهذا اللقاء كان بشوشاً كما توقعت مرحباً مبتسماً حنوناً طافحاً بالإنسانية.. آه (يا غازي) كم تحب الناس.. وكم آذوك يا غازي..
- وعلم مني أمر القبول وشد من أزري ونصحني بما هو مهم.. وشجعني على الابداع في أمر الرسالة عن (نظام المناطق في المملكة العربية السعودية) ودوره في التنمية.. وهكذا آتي لمجلسه يوم الاربعاء وفي احتفالات اليوم الوطني عندما يقف في الخيمة في السفارة وبصحبته الملحق التعليمي آنذاك الدكتور الأستاذ الفاضل عبدالله الناصر ببشوتهم السوداء بين الضيوف العرب والأجانب على حد سواء.. وموسيقى العرضة النجدية.. (نحمد الله جت على ما تمنى) كم أنت وطني يا من قال: (نحن الحجاز ونحن نجد).. بل أنه يتبرع من أمواله للذين يحتاجون في لندن من المرضى والمرافقين وبعض الطلبة المحتاجين.. إنه - رحمه الله - يقسو على نفسه وأتذكر عندما أقام الملحق التعليمي عبدالله الناصر أمسية لشيخنا أبي عبدالرحمن بن عقيل الظاهري في الملحقية في لندن.. كان غازي حاضراً رغم أنه كان متعباً وعلامات التعب بادية عليه..
سوف لسنين لعقود ننتظر رجلاً بحجم غازي القصيبي في شجاعته ومواقفه ودفاعه عن الحق وثباته في المسلمات.. واحتسابه لما عند الله وذلك ما يعجبني في غازي أنه صادق ونزيه لا تهمه مصالحه الشخصية ليس.. مثل كثير من المسؤولين الذين يخافون ويرهبون الناجحين والمبدعين.. ويتلقفون العاديين ليعملوا معهم ومن لا يمتلك ذرة من ابداع.. ان غازي صنع اجيالاً من التكنوقراط والمبدعين والمسؤولين والمثقفين والروائيين والقاصين والشعراء.. إنه أمة في رجل وسوف لن تنجب النساء مثيلاً له رغم كيد الحاسدين.
إنه ليس المجال مجال حديث عن قيمة شعرية أو أدبية أو حياة في الإدارة أو شقة الحرية أو اكتشاف منابع الارهاب منذ مطالع التسعينات.. إنه صوت الحق في (عيون العاصفة) ومشعل التنوير في )حتى لاتكون فتنة) وسيد الرومانس في (أنت الرياض) والوطنية في (نحن الحجاز) وسيد العتاب في (الفجر تحتضن القفار رواحلي) آه يا غازي.. يامتنبي هذا العصر، وابن زيدونه.. (يا أعز النساء وهمي ثقيل).
رحمك الله رحمة واسعة، وتغمدك بفضله وأسكنك فسيح جناته.. وألهم الله العرب والخليجين والسعوديين على وجه الخصوص وأسرته وسهيل وإخوته.. الصبر والسلوان.. فإن الفقيد فقيد أمة وعزاؤنا للجميع.. ولاحرمنا الله رجالاً أمثاله قريباً يديرون هذه التنمية التي بين أيدينا يارب العالمين.